فصل: فَصْلٌ: (فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ‏]‏

المتن‏:‏

قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا قِصَاصَ، وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَا، وَفِي الْقِصَاصِ قَوْلٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ‏:‏ قَتْلٌ، وَشُرِطَ فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا ظُلْمًا، وَقَتِيلٌ وَقَاتِلٌ، وَفِيمَا إذَا قَتَلَ إنْسَانًا يَظُنُّهُ عَلَى حَالٍ فَكَانَ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ، فَقَالَ‏.‏ إذَا ‏(‏قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ‏)‏ كَأَنْ رَآهُ يُعَظِّمُ آلِهَتَهُمْ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكُفَّارِ ‏(‏بِدَارِ الْحَرْبِ‏)‏ أَوْ بِصِفَةِ الْمُحَارِبِينَ بِدَارِنَا كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏لَا قِصَاصَ‏)‏ عَلَيْهِ جَزْمًا لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ، نَعَمْ إنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ لَمْ يَسْتَعِنْ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ وَفِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ ‏(‏وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِمُقَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْإِبَاحَةِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ فِي دَارِهِمْ مُسْلِمًا أَمْ لَا، عَيَّنَ شَخْصًا أَمْ لَا، وَالثَّانِي تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّهَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ‏.‏ أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَجِبُ جَزْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ فَإِنَّ ‏"‏ مِنْ ‏"‏ بِمَعْنَى ‏"‏ فِي ‏"‏ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَكْفِي ظَنُّ كُفْرِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ظَنِّ حِرَابَتِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا ظَنَّهُ ذِمِّيًّا فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ظَنَّ كُفْرَهُ عَمَّا إذَا لَمْ يَظُنَّهُ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، فَقَالَ‏:‏ إنْ عَرَفَ مَكَانَهُ وَقَصَدَهُ فَكَقَتْلِهِ بِدَارِنَا عَمْدًا، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ وَرَمَى سَهْمًا إلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّ فِي الدَّارِ مُسْلِمًا أَمْ لَا‏؟‏ نُظِرَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَخْصًا أَوْ عَيَّنَ كَافِرًا فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ مُسْلِمًا فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ فِي بَيَاتٍ أَوْ إغَارَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَإِنْ عَيَّنَ شَخْصًا فَأَصَابَهُ فَكَانَ مُسْلِمًا لَا قِصَاصَ، وَفِي الدِّيَةِ قَوْلَانِ‏:‏ قَالَا‏.‏ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُمَا الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ ظَنَّهُ كَافِرًا، وَلَوْ أَمَّنَ الْقَاتِلَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ وَقَتَلَ فِي دَارِهِمْ مُسْلِمًا تَزَيَّا بِزِيِّهِمْ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ فَالْمُتَّجِهُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ عَهِدَهُ عَبْدًا وَكَانَ قَدْ عَتَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاتِلُ أَنَّهُ عَتَقَ ا هـ‏.‏

وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا‏:‏ إنَّ التَّزَيِّيَ بِزِيِّهِمْ لَيْسَ بِرِدَّةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ‏.‏ أَمَّا إذَا قُلْنَا‏:‏ إنَّهُ رِدَّةٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَتَلَ مَنْ ذُكِرَ ‏(‏بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَا‏)‏ أَيْ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ لَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ الْعِبَارَةُ، بَلْ عَلَى الْبَدَلِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْعِصْمَةُ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ فِي صَفِّ أَهْلِ الْحَرْبِ بِدَارِنَا فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ قَطْعًا وَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ ‏(‏وَفِي الْقِصَاصِ‏)‏ فِي قَتْلِ مَنْ ذُكِرَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ‏(‏قَوْلٌ‏)‏ فِي الْأُمِّ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ إذَا عَهِدَهُ حَرْبِيًّا لِأَنَّهُ الَّذِي أَبْطَلَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِخُرُوجِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْكُفَّارِ‏.‏ أَمَّا إذَا ظَنَّهُ وَلَمْ يَعْهَدْهُ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَكْفِي ظَنُّ كَوْنِهِ حَرْبِيًّا، وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ الْقِصَاصَ فَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً أَوْ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَوَّلُ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ قَتَلَ ‏(‏مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ‏)‏ قَتَلَ مَنْ ‏(‏ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ‏)‏ أَيْ إسْلَامُهُ أَوْ حُرِّيَّتُهُ أَوْ عَدَمُ قَتْلِهِ لِأَبِيهِ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ‏)‏ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَالظَّنُّ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ‏.‏ أَمَّا فِي الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ وَالْعَبْدِ فَظَاهِرٌ‏.‏ وَأَمَّا فِي الْمُرْتَدِّ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ قَتْلَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ التَّثَبُّتُ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ التَّثَبُّتَ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَسْتَصْحِبُهُ، وَفِيمَا عَدَا الْأُولَى قَوْلٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ طُرِدَ فِي الْأُولَى، وَفِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِالْوُجُوبِ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ مَجِيئَهُ فِي الْأَخِيرَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ عَهِدَهُ، يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ظَنَّهُ مُرْتَدًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْهَدَهُ كَذَلِكَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ حَكَى الْإِمَامُ فِيمَا إذَا ظَنَّهُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ قَوْلَيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا مُسْلِمًا‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ قَطْعًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ الْمَرِيضَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَقِيلَ لَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ‏)‏ مِثْلُهُ ‏(‏الْمَرِيضَ‏)‏ لَا الصَّحِيحَ فَمَاتَ مِنْهُ ‏(‏وَجَبَ الْقِصَاصُ‏)‏ عَلَى الضَّارِبِ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ جَهْلَهُ لَا يُبِيحُ لَهُ الضَّرْبَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ أَبَحْنَا لَهُ فِيهَا الضَّرْبَ كَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ إذَا ضَرَبَ تَأْدِيبًا ضَرْبًا لَا يَقْتُلُ الصَّحِيحَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْمَرَضِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْمُحَرَّرِ ‏(‏وَقِيلَ لَا‏)‏ يَجِبُ قِصَاصٌ، لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِمُهْلِكٍ عِنْدَهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ جَهِلَ عَمَّا لَوْ عَلِمَ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ جَزْمًا، وَبِقَوْلِهِ‏:‏ يَقْتُلُ الْمَرِيضَ، عَمَّا لَوْ كَانَ يَقْتُلُ الصَّحِيحَ فَيَجِبُ قَطْعًا‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَرْكَانُ، وَقَدْ مَرَّ شَرْطُ الْقَتْلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتِيلِ إسْلَامٌ أَوْ أَمَانٌ، فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ، وَمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ كَغَيْرِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَأَمَّا الْقَتِيلُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْصُومًا، وَأَمَّا الْقَاتِلُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي‏.‏ فَقَالَ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ‏)‏ أَوْ الدِّيَةِ ‏(‏فِي‏)‏ نَفْسِ ‏(‏الْقَتِيلِ‏)‏ أَوْ طَرَفِهِ الْعِصْمَةُ بِأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ ‏(‏إسْلَامٌ‏)‏ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا‏}‏ ‏(‏أَوْ أَمَانٌ‏)‏ بِعَقْدِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ مُجَرَّدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ‏}‏، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِيَشْمَلَ الدِّيَةَ كَمَا قَدَّرْتهَا فِي كَلَامِهِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْإِسْلَامِ وَالْأَمَانِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ لَا يَكُونَ صَائِلًا وَلَا قَاطِعَ طَرِيقٍ لَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَأَوْرَدَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْأَمَانِ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَى الْأَسِيرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَعْصُومًا بِذَلِكَ، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ صَارَ بِالرِّقِّ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُمْ فِي أَمَانٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَمَانٌ، وَإِذَا شَرَطْنَا الْإِسْلَامَ وَالْأَمَانَ ‏(‏فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ‏)‏ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏}‏، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ‏}‏ وَالْمُرَادُ إهْدَارُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ‏.‏ أَمَّا فِي حَقِّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَسَيَأْتِي ‏(‏وَمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ‏)‏ فَهُوَ مَعْصُومٌ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ ‏(‏كَغَيْرِهِ‏)‏ فَإِذَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا‏}‏ فَخَصَّ وَلِيَّهُ بِقَتْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَلِيَّهُ لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَتَحَتَّمْ قَتْلُهُ‏.‏ أَمَّا إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ لِقَطْعِ طَرِيقٍ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا، وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُقْتَلُ بِهِ إلَّا إنْ كَانَ مِثْلَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ إنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ قُتِلَ أَوْ مُسْلِمٌ فَلَا فِي الْأَصَحِّ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالزَّانِي‏)‏ الْمُسْلِمُ ‏(‏الْمُحْصَنُ إنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ قُتِلَ بِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِذَا كَانَ الذِّمِّيُّ يُقْتَلُ بِهِ فَالْمُرْتَدُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُؤْمِنُ بِالْأَوْلَى، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُسْلِمِ مَا لَوْ كَانَ الْمُحْصَنُ ذِمِّيًّا، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ لَا يُقْتَلُ بِهِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ قُتِلَ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَتَلَهُ ‏(‏مُسْلِمٌ‏)‏ غَيْرُ زَانٍ مُحْصَنٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُقْتَلُ بِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي يَجِبُ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْإِمَامِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ غَيْرُ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ أَمْرِ الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ أَمْ لَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ رُجُوعِهِ عَنْ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا، وَوَقَعَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ قُتِلَ بِهِ‏.‏ أَمَّا الْمُسْلِمُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ إذَا قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَتَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ بِهَا كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ‏.‏

المتن‏:‏

وَفِي الْقَاتِلِ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَى السَّكْرَانِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنَا صَبِيٌّ فَلَا قِصَاصَ وَلَا يُحَلَّفُ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى حَرْبِيٍّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْقَاتِلُ، فَقَالَ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏فِي الْقَاتِلِ‏)‏ تَكْلِيفٌ، وَهُوَ ‏(‏بُلُوغٌ وَعَقْلٌ‏)‏ فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، لِخَبَرِ‏:‏ ‏"‏ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ ‏"‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّهُ فِي الْمَجْنُونِ إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا‏.‏ أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ فَهُوَ كَالْعَاقِلِ الَّذِي لَا جُنُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَا إفَاقَةَ لَهُ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ‏)‏ أَيْ الْقِصَاصِ ‏(‏عَلَى السَّكْرَانِ‏)‏ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عِنْدَ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ رَامَ الْقَتْلَ لَا يَعْجِزُ أَنْ يَسْكَرَ حَتَّى لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ‏.‏ وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ، وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ تَعَدَّى بِشُرْبِ دَوَاءٍ مُزِيلٍ لِلْعَقْلِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كَالْمَعْتُوهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا‏)‏ وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ ‏(‏صُدِّقَ‏)‏ الْقَاتِلُ ‏(‏بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا‏)‏ وَقْتَ الْقَتْلِ ‏(‏وَعُهِدَ الْجُنُونُ‏)‏ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ صِبَاهُ وَلَمْ يُعْهَدْ جُنُونُهُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِجُنُونِهِ وَأُخْرَى بِعَقْلِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ عُلِمَ حَالُهُ وَكَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ مُقَيَّدَتَيْنِ بِحَالَةِ الْمَوْتِ تَعَارَضَتَا أَوْ لَوْ اتَّفَقَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَالْقَاتِلُ عَلَى زَوَالِ عَقْلِهِ، لَكِنَّ الْوَلِيَّ يَقُولُ بِسُكْرٍ تَعَدَّى فِيهِ، وَالْقَاتِلُ بِجُنُونٍ صُدِّقَ الْقَاتِلُ كَمَا أَطْلَقَاهُ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ الْقَاتِلُ ‏(‏أَنَا‏)‏ الْآنَ ‏(‏صَبِيٌّ‏)‏ وَأَمْكَنَ ‏(‏فَلَا قِصَاصَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا يُحَلَّفُ‏)‏ أَنَّهُ صَبِيٌّ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِإِثْبَاتِ صِبَاهُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَبَطَلَتْ يَمِينُهُ، فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالٌ لِتَحْلِيفِهِ، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ مَعَ زِيَادَةٍ ‏(‏وَلَا قِصَاصَ‏)‏ وَلَا دِيَةَ ‏(‏عَلَى حَرْبِيٍّ‏)‏ قَتَلَ حَالَ حِرَابَتِهِ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِسْلَامٍ أَوْ عَقْدِ ذِمَّةٍ، لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ عَلَى الْمَعْصُومِ وَالْمُرْتَدِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الْقِصَاصُ ‏(‏عَلَى الْمَعْصُومِ‏)‏ بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ‏.‏ أَمَّا بِالتَّأْوِيلِ بِأَنْ قَتَلَ الْبُغَاةَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي حَالِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَيَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ، فَعَدَلَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ إلَى الْمَعْصُومِ لِعُمُومِهَا، وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏الْمُرْتَدِّ‏)‏ لِأَجْلِ تَعْبِيرِهِ بِالْمَعْصُومِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَى الْمَفْهُومِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِصَاصَ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّهُ فِي الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ، وَإِلَّا فَفِيهِ قَوْلَانِ‏:‏ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الضَّمَانُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَظَاهِرُ تَعْبِيرِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْمَنْعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمُكَافَأَةٌ، فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ وَبِذِمِّيٍّ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، فَلَوْ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْقَاتِلِ ‏(‏مُكَافَأَةٌ‏)‏ بِالْهَمْزِ، وَهِيَ مُسَاوَاتُهُ لِلْقَتِيلِ بِأَنْ لَمْ يَفْضُلْهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ أَمَانٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ أَصْلِيَّةٍ أَوْ سِيَادَةٍ، وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْجِنَايَةِ وَحِينَئِذٍ ‏(‏فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ‏)‏ وَلَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا ‏(‏بِذِمِّيٍّ‏)‏ ‏(‏1‏)‏ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ ‏{‏أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ‏}‏ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ يُعَارِضُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَالنَّفْسُ بِذَلِكَ أَوْلَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِرِ كَانَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَلِشُمُولِهِ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الذِّمِّيَّ لِيُنَبِّهَ عَلَى خِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِهِ وَحَمَلُوا الْكَافِرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ بَعْدُ ‏"‏ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ‏"‏ وَذُو الْعَهْدِ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ وَلَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ لِتَوَافُقِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ، وَأُجِيبَ عَنْ حَمْلِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ‏}‏ يَقْتَضِي عُمُومَ الْكَافِرِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِإِضْمَارٍ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ وَلَا ذُو عَهْدٍ ‏"‏ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ‏:‏ أَيْ لَا يُقْتَلُ ذُو الْعَهْدِ لِأَجْلِ عَهْدِهِ‏.‏ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوهُ لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ إذَا قَتَلَ كَافِرًا حَرْبِيًّا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَتْلَهُ عِبَادَةٌ فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ ‏(‏وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمُسْلِمِ لِشَرَفِهِ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُقْتَلُ أَيْضًا ‏(‏بِذِمِّيٍّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا‏)‏ فَيُقْتَلُ يَهُودِيٌّ بِنَصْرَانِيٍّ وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمَجُوسِيٍّ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمَتْنِ أَنَّهُ مِلَلٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اخْتِلَافَ مِلَّتِهِمَا بِحَسَبِ زَعْمِهِمَا ‏(‏فَلَوْ أَسْلَمَ‏)‏ الذِّمِّيُّ ‏(‏الْقَاتِلُ‏)‏ كَافِرًا مُكَافِئًا لَهُ ‏(‏لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ‏)‏ لِتَكَافُئِهِمَا حَالَةَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَلِذَلِكَ إذَا زَنَى الرَّقِيقُ أَوْ قَذَفَ ثُمَّ عَتَقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَرِقَّاءِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فِي هَذَا قَتْلُ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَقَدْ مَنَعْتُمْ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ، بَلْ هُوَ قَتْلُ كَافِرٍ بِكَافِرٍ إلَّا أَنَّ الْمَوْتَ تَأَخَّرَ عَنْ حَالِ الْقَتْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ وَقَالَ‏:‏ أَنَا أَكْرَمُ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ‏.‏ وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ، وَعَالِمٌ بِجَاهِلٍ كَعَكْسِهِ، وَشَرِيفٌ بِخَسِيسٍ، وَشَيْخٌ بِشَابٍّ كَعَكْسِهِمَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ ‏{‏أَنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ الْبَقِيَّةُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يَقْتَصُّ الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْوَارِثِ، وَالْأَظْهَرُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِذِمِّيٍّ وَبِمُرْتَدٍّ، لَا ذِمِّيٍّ بِمُرْتَدٍّ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ‏)‏ أَوْ نَحْوُهُ ‏(‏ذِمِّيًّا‏)‏ أَوْ نَحْوَهُ ‏(‏أَوْ أَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ‏)‏ بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ ‏(‏فَكَذَا‏)‏ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِلتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْجُرْحِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِأَنَّهَا حَالَةُ الْفِعْلِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ، وَلِهَذَا لَوْ جُرِحَ الْجَارِحُ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالثَّانِي يَسْقُطُ نَظَرًا فِي الْقِصَاصِ إلَى الْمُكَافَأَةِ وَقْتَ الزَّهُوقِ، وَكَمَا لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ كَالدُّيُونِ اللَّازِمَةِ فِي الْكُفْرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِ الثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُسْلِمْ الْمَجْرُوحُ، فَإِنْ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي قِصَاص النَّفْسِ أَمَّا لَوْ قَطَعَ طَرَفًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاطِعُ ثُمَّ سَرَى وَجَبَ قِصَاص الطَّرَفِ قَطْعًا ‏(‏وَفِي الصُّورَتَيْنِ‏)‏ وَهُمَا إسْلَامُ الْقَاتِلِ بَعْدَ قَتْلِهِ أَوْ جُرْحِهِ لَا يَقْتَصُّ لَهُ وَارِثُهُ الْكَافِرُ، بَلْ ‏(‏إنَّمَا يَقْتَصُّ‏)‏ لَهُ ‏(‏الْإِمَامُ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏بِطَلَبِ الْوَارِثِ‏)‏ وَلَا يُفَوِّضُهُ إلَيْهِ تَحَرُّزًا مِنْ تَسْلِيطِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَوَّضَ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْ، فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ‏)‏ انْتَقَلَ مِنْ إسْلَامٍ إلَى كُفْرٍ ‏(‏بِذِمِّيٍّ‏)‏ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمُعَاهَدٍ سَوَاءٌ أَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ فِي الْأُمِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ‏.‏ بَلْ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا مُنَاكَحَتُهُ وَلَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ، فَأَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِالذِّمِّيِّ الثَّابِتِ لَهُ ذَلِكَ‏:‏ أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بَعْضُهَا كَالْمَجُوسِيِّ إذَا عُقِدَتْ لَهُ الذِّمَّةُ، وَالثَّانِي لَا يُقْتَلُ بِهِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُرْتَدِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ التَّهَوُّدِ إلَى التَّنَصُّرِ أَوْ عَكْسَهُ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ قَطْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَظْهَرُ أَيْضًا قَتْلُ مُرْتَدٍّ ‏(‏بِمُرْتَدٍّ‏)‏ لِتَسَاوِيهِمَا كَمَا لَوْ قَتَلَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيًّا، وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مُبَاحُ الدَّمِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ هُوَ الصَّوَابُ، فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَإِنْ نَقَلَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ ‏(‏لَا ذِمِّيٍّ‏)‏ بِالْجَرِّ بِخَطِّهِ‏:‏ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُقْتَلُ ‏(‏بِمُرْتَدٍّ‏)‏ فِي الْأَظْهَرِ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي يُقْتَلُ بِهِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، وَحَكَى الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ وَجْهَيْنِ، وَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالزَّانِي الْمُسْلِمِ الْمُحْصَنِ كَمَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَلَا يُقْتَلُ زَانٍ مُحْصَنٌ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ، وَلِخَبَرِ ‏{‏لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ‏}‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُقَدَّمُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ بِالْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ عَلَى قَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ‏.‏ فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ، وَلَا دِيَةَ لِمُرْتَدٍّ وَإِنْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِدَمِهِ، وَقِيلَ‏:‏ تَجِبُ، وَهَلْ هِيَ دِيَةُ مُسْلِمٍ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ وَأَخَسِّ الدِّيَاتِ‏؟‏ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ‏)‏ وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ‏}‏ فَاقْتَضَى الْحَصْرُ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ ‏{‏لَا يُقَادُ حُرٌّ بِعَبْدٍ‏}‏ وَلِلِاتِّفَاقِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُ حُرٍّ بِطَرَفِ عَبْدٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْأَطْرَافِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَعَبْدُهُ وَعَبْدُ غَيْرِهِ‏.‏ وَأَمَّا خَبَرُ ‏{‏مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ جَدَعْنَاهُ، وَمَنْ خَصَاهُ خَصَيْنَاهُ‏}‏ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد لِقَتْلِ السَّيِّدِ بِعَبْدِهِ فَمُنْقَطِعٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَإِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَيُفِيدُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

حَكَى الرُّويَانِيُّ‏:‏ أَنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ خُرَاسَانَ سُئِلَ فِي مَجْلِسِ أَمِيرِهَا عَنْ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، فَقَالَ أُقَدِّمُ حِكَايَةً ثُمَّ قَالَ‏:‏ كُنْت فِي أَيَّامِ تَفَقُّهِي بِبَغْدَادَ نَائِمًا ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ فَسَمِعْت مَلَّاحًا يَتَرَنَّمُ الطَّوِيلَ وَيَقُولُ‏:‏ خُذُوا بِدَمِي هَذَا الْغَزَالَ فَإِنَّهُ، رَمَانِي بِسَهْمَيْ مُقْلَتَيْهِ عَلَى بُعْدِ‏.‏ وَلَا تَقْتُلُوهُ إنَّنِي أَنَا عَبْدُهُ، وَلَمْ أَرَ حُرًّا قَطُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ‏.‏ فَقَالَ الْأَمِيرُ‏:‏ حَسْبُك فَقَدْ أَغْنَيْت عَنْ الدَّلِيلِ‏.‏ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ‏:‏ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ يُنْشِدُ فِي تَدْرِيسِهِ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَتَلَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ شَخْصًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ وَلَا أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ‏.‏ فَلَا قِصَاصَ لِلشُّبْهَةِ، كَذَا نَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَقَرَّاهُ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ اللَّقِيطِ سَوَاءٌ، وَقَدْ صَحَّحَا فِيهَا وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حُرِّيَّةٍ وَإِسْلَامٍ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ مَا هُنَا فِي قَتْلِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَا هُنَاكَ فِي قَتْلِهِ بِدَارِنَا بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِيهِ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حُرِّيَّةٍ وَإِسْلَامٍ‏.‏ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَدَّعِي الْكَفَاءَةَ، وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ اللَّقِيطِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ صُورَةَ اللَّقِيطِ عُلِمَ فِيهَا الْتِقَاطُهُ فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الدَّارِ، وَصُورَةُ الْبَحْرِ لَمْ يُعْلَمْ الْتِقَاطُهُ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الدَّارِ، وَإِنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبَعْضِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ حُكْمُ كَامِلِ الرِّقِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى‏.‏

المتن‏:‏

وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، أَوْ عَتَقَ بَيْنَ الْجُرْحِ فَكَحُدُوثِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ لَا قِصَاصَ، وَقِيلَ إنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ، وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ‏)‏ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لِكَافِرٍ وَالْقَاتِلُ لِمُسْلِمٍ لِلتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا انْعَقَدَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ الْحُرِّيَّةُ النَّاجِزَةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُسْتُثْنِيَ الْمُكَاتَبُ إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَبَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِمَمْلُوكِهِ ‏(‏وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، أَوْ‏)‏ جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ الْجَارِحُ ‏(‏بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ فَكَحُدُوثِ الْإِسْلَامِ‏)‏ لِذِمِّيٍّ قُتِلَ أَوْ جُرِحَ، وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ عَدَمُ سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ جَزْمًا، وَكَذَا فِي الْجُرْحِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ عَقِبَ إرْسَالِ الْمُسْلِمِ فِي الْأَوَّلِ وَالْحُرِّ فِي الثَّانِي سَهْمًا، وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاوِهِ مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَتَلَ شَخْصٌ عَبْدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ عَتَقَ أَحَدُهُمْ مُبْهَمًا، ثُمَّ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَلَى الْمَقْتُولِ بَانَ أَنَّهُ قَتَلَ حُرًّا وَكَانَتْ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ قِصَاصٌ‏؟‏ قَالَ الْقَاضِي‏:‏ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ جُرْحِ فُلَانٍ إيَّاكَ بِيَوْمٍ مَثَلًا، فَإِذَا جَرَحَهُ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّتِمَّةِ ‏(‏وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ‏)‏ أَيْ مُبَعَّضًا سَوَاءٌ ازْدَادَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ أَمْ لَا ‏(‏لَا قِصَاصَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ بِالْبَعْضِ الْحُرِّ الْبَعْضَ الْحُرَّ وَبِالرَّقِيقِ الرَّقِيقَ، بَلْ قَتَلَهُ جَمِيعَهُ بِجَمِيعِهِ حُرِّيَّةً وَرِقًّا شَائِعًا، فَيَلْزَمُ قَتْلُ جُزْءِ حُرِّيَّةٍ بِجُزْءِ رِقٍّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ‏(‏وَقِيلَ إنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ‏)‏ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ أَتَسَاوَيَا أَمْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَلِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ مَفْضُولٌ وَالْمَفْضُولُ يُقْتَلُ بِالْفَاضِلِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ قَوْلَا الْخَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا شَيْئًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ، بَلْ قَالَا‏:‏ إنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّانِي أَشْهَرُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَإِذَا لَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِقِيلِ، بَلْ التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ، وَالْفَضِيلَةُ فِي شَخْصٍ لَا تَجْبُرُ النَّقْصَ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ‏(‏لَا قِصَاصَ‏)‏ وَاقِعٌ ‏(‏بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ‏)‏ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلَا تَجْبُرُ فَضِيلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيصَتَهُ، وَلَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَإِنْ صَارَ كُفْئًا لَهُ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا بِقَتْلِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا لَهُ، وَيُقْتَلُ بِوَالِدَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا‏)‏ قِصَاصَ ‏(‏بِقَتْلِ وَلَدٍ‏)‏ لِلْقَاتِلِ ‏(‏وَإِنْ سَفَلَ‏)‏ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ ‏{‏لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ‏}‏ وَلِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، أَوْ الْأَصْلِ بِالْفَرْعِ نُقِضَ حُكْمُهُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ إلَّا إنْ أَضْجَعَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ وَذَبَحَهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْأَبَ وَالْأُمَّ وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَالْأَبِ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذُكِرَ كَالنَّفَقَةِ، وَذِكْرُهُ الْوَلَدَ فِي مَسَائِلِ الْكَفَاءَةِ يُوهِمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُكَافِئُ أَبَاهُ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَسِيطِ‏:‏ إنَّهُ فَاسِدٌ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْوَلَدَ يُكَافِئُ الْعَمَّ وَعَمُّهُ يُكَافِئُ أَبَاهُ وَمُكَافِئُ الْمُكَافِئِ مُكَافِئٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ‏}‏ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهَلْ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ‏؟‏ وَجْهَانِ، وَيَجْرِيَانِ فِي الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى النَّفْيِ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا لِلشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ ‏(‏وَلَا‏)‏ قِصَاصَ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ كَأَنْ قَتَلَ زَوْجَةَ نَفْسِهِ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، أَوْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ كَأَنْ قَتَلَ أَبَا زَوْجَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْتَلْ بِجِنَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَنْ لَهُ فِي قَتْلِهِ حَقٌّ أَوْلَى ‏(‏وَيُقْتَلُ‏)‏ الْوَلَدُ ‏(‏بِوَالِدِيهِ‏)‏ بِكَسْرِ الدَّالِ بِخَطِّهِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَإِنْ عَلَوْا‏:‏ أَيْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ، بَلْ أَوْلَى وَتُقْتَلُ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِمَّا ذُكِرَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ كَمَا مَرَّ، وَمَا إذَا وَرِثَ الْقَاتِلُ الْقِصَاصَ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِعَبْدٍ لِوَالِدِهِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمُ بِالْوَالِدِ الْكَافِرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ تَدَاعَيَا مَجْهُولًا فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ اقْتَصَّ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ تَدَاعَيَا‏)‏ قَتِيلًا ‏(‏مَجْهُولًا‏)‏ نَسَبُهُ ‏(‏فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا‏)‏ قَبْلَ تَبَيُّنِ حَالِهِ فَلَا قِصَاصَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ، وَقَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ لَا يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بَلْ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ‏(‏فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ اقْتَصَّ‏)‏ بِالْآخَرِ لِثُبُوتِ أُبُوَّتِهِ وَانْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْ الْقَاتِلِ، فَلَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا اقْتَصَّ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْأَبِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُلْحِقْهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَقْتَصَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ‏.‏ وَأَوْرَدَ عَلَى مَفْهُومِهِ مَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ لَمْ يُلْحِقْهُ بِالْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُرِئَ اُقْتُصَّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، فَإِنْ قُرِئَ بِكَسْرِهَا فَلَا يَرِدُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْقَاتِلُ عَنْ الِاسْتِلْحَاقِ أَنَّهُ لَا يَقْتَصُّ الْآخَرُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَقْتَصُّ مِنْهُ وَلَوْ رَجَعَا عَنْ تَنَازُعِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا لِأَنَّهُ صَارَ ابْنًا لِأَحَدِهِمَا، وَفِي قَبُولِ الرُّجُوعِ إبْطَالُ حَقِّهِ مِنْ النَّسَبِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لُحُوقُ الْوَلَدِ بِأَحَدِهِمَا بِالْفِرَاشِ بَلْ بِالدَّعْوَى كَمَا هُوَ الْفَرْضُ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ بِالْفِرَاشِ كَأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَكْفِي رُجُوعُ أَحَدِهِمَا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِالْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ بِالْقَائِفِ ثُمَّ بِانْتِسَابِهِ إلَيْهِ إذَا بَلَغَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ أَخَوَيْنِ الْأَبَ، وَالْآخَرُ الْأُمَّ مَعًا فَلِكُلٍّ قِصَاصٌ، وَيُقَدَّمُ بِقُرْعَةٍ، فَإِنْ اقْتَصَّ بِهَا، أَوْ مُبَادِرًا فَلِوَارِثِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ قَتْلُ الْمُقْتَصِّ إنْ لَمْ نُوَرِّثْ قَاتَلَا بِحَقٍّ، وَكَذَا إنْ قَتَلَا مُرَتَّبًا وَلَا زَوْجِيَّةَ، وَإِلَّا فَعَلَى الثَّانِي فَقَطْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ أَخَوَيْنِ‏)‏ شَقِيقَيْنِ حَائِزَيْنِ لِلْمِيرَاثِ ‏(‏الْأَبَ، وَ‏)‏ قَتَلَ ‏(‏الْآخَرُ الْأُمَّ‏)‏ وَكَانَ زُهُوقُ رُوحِهِمَا ‏(‏مَعًا‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ أَمْ لَا ‏(‏فَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏قِصَاصٌ‏)‏ عَلَى أَخِيهِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ، هَذَا يَقْتَصُّ بِأَبِيهِ، وَهَذَا بِأُمِّهِ، وَلَا يَرِثُ كُلُّ قَاتِلٍ مِنْ قَتِيلِهِ شَيْئًا، وَالْمَعِيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ الْآتِي بِزُهُوقِ الرُّوحِ لَا بِالْجِنَايَةِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْقَتْلِ يُشِيرُ إلَيْهِ، فَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَانَ لِلْمَعْفُوِّ عَنْهُ قَتْلُ الْعَافِي ‏(‏وَ‏)‏ إنْ لَمْ يَعْفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ تَنَازَعَا فِي التَّقْدِيمِ لِلْقِصَاصِ فَإِنَّهُ ‏(‏يُقَدَّمُ‏)‏ لَهُ ‏(‏بِقُرْعَةٍ‏)‏ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْقِصَاصِ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ دُونَ مَنْ لَمْ تَخْرُجْ قُرْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِقَتْلِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا قَبْلَ الْقُرْعَةِ لِيَقْتَصَّ لَهُ صَحَّ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَكِيلَيْنِ، وَحِينَ يَقْتَصُّ مِنْ أَحَدِهِمَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ فَلَوْ اقْتَصَّ الْوَكِيلَانِ مَعًا فَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ‏؟‏ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَتْلَهُمَا وَقَعَ وَهُمَا مَعْزُولَانِ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ دَوَامِ اسْتِحْقَاقِ الْمُوَكِّلِ قَتْلَ مَنْ وَكَّلَ فِي قَتْلِهِ أَنْ يَبْقَى عِنْدَ قَتْلِهِ حَيًّا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي ذَلِكَ‏:‏ أَيْ فَلَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةٌ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا كَالْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ لَمْ يَتَنَازَعَا بَلْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ دُونَ الْآخَرِ أُجِيبَ الطَّالِبُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُرْعَةِ صُورَتَيْنِ‏:‏ إحْدَاهُمَا إذَا قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مَقْتُولِهِ عُضْوًا وَمَاتَا بِالسِّرَايَةِ مَعًا، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَبُ قَطْعِ عُضْوِ الْآخَرِ حَالَةَ قَطْعِ عُضْوِهِ‏.‏ ثَانِيَتُهُمَا‏:‏ لَوْ قَتَلَاهُمَا مَعًا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ حَدٌّ وَإِنْ غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ ‏(‏فَإِنْ اقْتَصَّ بِهَا‏)‏ أَيْ الْقُرْعَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اقْتَصَّ ‏(‏مُبَادِرًا‏)‏ بِلَا قُرْعَةٍ ‏(‏فَلِوَارِثِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ قَتْلُ الْمُقْتَصِّ‏)‏ بِالْقُرْعَةِ أَوْ الْمُبَادَرَةِ ‏(‏إنْ لَمْ نُوَرِّثْ قَاتِلًا بِحَقٍّ‏)‏ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، أَوْ وَرَّثْنَاهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبُهُ كَأَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْأَخِ ابْنٌ، فَإِنْ وَرَّثْنَاهُ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ الْقِصَاصَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَعْضِهِ ‏(‏وَكَذَا إنْ قَتَلَا‏)‏ أَيْ الْأَخَوَانِ ‏(‏مُرَتَّبًا‏)‏ بِأَنْ تَأَخَّرَ زُهُوقَ رُوحِ أَحَدِهِمَا ‏(‏وَلَا زَوْجِيَّةَ‏)‏ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّ الْقِصَاصِ عَلَى الْآخَرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْقَاتِلِ الْأَوَّلِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ مَعَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بَعْدَ قَتْلِهِ وَبِقَتْلِهِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَعِنْدِي أَنَّ تَوْكِيلَهُ صَحِيحٌ، وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ وَكِيلُهُ فَقَتَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ‏.‏ لَكِنْ إذَا قُتِلَ مُوَكِّلُهُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ عُلِمَ سَبْقٌ دُونَ عَيْنِ السَّابِقِ، فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ التَّوَقُّفُ إلَى الْبَيَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةً بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ ‏(‏فَعَلَى‏)‏ أَيْ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ ‏(‏الثَّانِي فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ قَتْلُ الْأَبِ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ قَاتِلُهُ وَيَرِثُهُ أَخُوهُ وَالْأُمُّ، وَإِذَا قَتَلَ الْآخَرُ الْأُمَّ وَرِثَهَا الْأَوَّلُ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ الْقِصَاصِ وَيَسْقُطُ بَاقِيهِ وَيُسْتَحَقُّ الْقِصَاصَ عَلَى أَخِيهِ، وَلَوْ سَبَقَ قَتْلُ الْأُمِّ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ قَاتِلِهَا وَاسْتُحِقَّ قَتْلُ أَخِيهِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ الْأَوَّلُ إخْوَةٌ أَرْبَعَةٌ قَتَلَ الثَّانِي أَكْبَرَهُمْ ثُمَّ الثَّالِثُ أَصْغَرَهُمْ وَلَمْ يُخَلِّفْ الْقَتِيلَانِ غَيْرَ الْقَاتِلَيْنِ، فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الثَّالِثِ، وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِمَا وَرِثَهُ مِنْ قِصَاصِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ الْأَكْبَرَ صَارَ الْقِصَاصُ لِلثَّالِثِ وَالْأَصْغَرِ، فَإِذَا قَتَلَ الثَّالِثُ الصَّغِيرَ وَرِثَ الثَّانِي مَا كَانَ الْأَصْغَرُ يَسْتَحِقُّهُ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ مَنْ اسْتَحَقَّ قَتْلَ مَنْ يُسْتَحَقُّ قَتْلُهُ كَأَنْ قَتَلَ زَيْدٌ ابْنًا لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو ابْنًا لِزَيْدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِالْإِرْثِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ لَا يَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ‏.‏ الثَّالِثُ‏:‏ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِقَتْلٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَقُتِلَ بِهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بَلْ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِتَرَتُّبِ الْقَتْلِ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ وَلَدِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ، وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ الرُّءُوسِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ‏)‏ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ جِرَاحَاتُهُمْ فِي الْعَدَدِ وَالْفُحْشِ وَالْأَرْشِ، سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ أَلْقَوْهُ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ فِي بَحْرٍ لِمَا رَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً‏:‏ أَيْ حِيلَةً بِأَنْ يُخْدَعَ وَيُقْتَلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَقَالَ‏:‏ لَوْ تَمَالَأَ - أَيْ اجْتَمَعَ - عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلَتْهُمْ بِهِ جَمِيعًا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ فَيَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ شَخْصًا اسْتَعَانَ بِآخَرَ عَلَى قَتْلِهِ وَاتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِسَفْكِ الدِّمَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ آمِنًا مِنْ الْقِصَاصِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا يُعْتَدُّ فِي ذَلِكَ بِجِرَاحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا كَانَتْ مُؤَثِّرَةً فِي زُهُوقِ الرُّوحِ فَلَا عِبْرَةَ بِخَدْشَةٍ خَفِيفَةٍ، وَالْوَلِيُّ يَسْتَحِقُّ دَمَ كُلِّ شَخْصٍ بِكَمَالِهِ، إذْ الرُّوحُ لَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ دَمِهِ لَمْ يُقْتَلْ، وَقِيلَ‏:‏ الْبَعْضُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا بِالْحِصَّةِ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِالْجَمِيعِ، فَاسْتَوْفَى لِتَعَذُّرِهِ، وَأَبْطَلَ الْإِمَامُ الْقِيَاسَ عَلَى الدِّيَةِ بِقَتْلِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، فَإِنَّ دَمَهُ مُسْتَحَقٌّ فِيهَا وَدِيَتَهَا عَلَى النِّصْفِ ‏(‏وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ‏)‏ وَعَنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى الدِّيَةِ‏.‏ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَتْلُ بِجِرَاحَاتٍ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ ‏(‏بِاعْتِبَارِ‏)‏ عَدَدِ ‏(‏الرُّءُوسِ‏)‏ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْجِرَاحَاتِ لَا يَنْضَبِطُ‏.‏ وَقَدْ تَزِيدُ نِكَايَةُ الْجُرْحِ الْوَاحِدِ عَلَى جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِالضَّرْبِ فَعَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، لِأَنَّهَا تَلَاقِي الظَّاهِرَ وَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَنْ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَزِمَهُ مُقْتَضَاهَا دُونَ قِصَاصِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ، وَلَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ وَادَّعَى الْأَوَّلُ انْدِمَالَ جُرْحِهِ وَأَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ وَنَكَلَ وَحَلَفَ مُدَّعِي الِانْدِمَالَ سَقَطَ عَنْهُ قِصَاصُ النَّفْسِ، فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالِانْدِمَالِ فَيَلْزَمَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

قَاعِدَةٌ‏:‏ لَا يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ مُخْطِئٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ مَنْ امْتَنَعَ قَوَدُهُ لِمَعْنًى فِيهِ إذَا تَعَمَّدَا جَمِيعًا‏.‏ وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ‏)‏ لِأَنَّ الزُّهُوقَ حَصَلَ بِفِعْلَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا يُوجِبُهُ، وَالْآخَرُ يَنْفِيه، فَغَلَبَ الْمُسْقِطُ، كَمَا إذَا قَتَلَ الْمُبَعَّضُ رَقِيقًا وَفُهِمَ مِنْ نَفْيِهِ الْقَتْلَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ غَيْرِ الْمُتَعَمِّدِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً أَوْ مُثَقَّلَةً، وَعَلَى الْمُتَعَمِّدِ نِصْفُهَا مُغَلَّظَةً سَوَاءٌ تَعَدَّدَ الْجَارِحُ كَمَا هُنَا أَمْ اتَّحَدَ كَمَا سَيَأْتِي، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَابْنُ قَاسِمٍ مَا لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ طَرَفَ رَجُلٍ عَمْدًا، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ طَرَفَهُ الثَّانِي خَطَأً، ثُمَّ سَرَى إلَى نَفْسِهِ وَمَاتَ فَعَلَى الْمُتَعَمِّدِ الْقِصَاصُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إنَّهُ يَقْتَصُّ مِنْ الْمُتَعَمِّدِ فِي الطَّرَفِ وَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ خَطَأً وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا فِي النَّفْسِ لَلسِّرَايَةِ إلَيْهَا بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا خَطَأٌ وَالْأُخْرَى عَمْدٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ‏.‏ وَأَمَّا قِصَاصُ الطَّرَفِ فَهُوَ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الْأَبِ، وَعَبْدٌ شَارَكَ حُرًّا فِي عَبْدٍ، وَذِمِّيٌّ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي ذِمِّيٍّ، وَكَذَا شَرِيكُ حَرْبِيٍّ، وَقَاطِعٌ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، وَشَرِيكُ النَّفْسِ، وَدَافِعُ الصَّائِلِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمَاتَ بِهِمَا، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ وَجَرَحَهُ ثَانِيًا فَمَاتَ لَمْ يُقْتَلْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الْأَبِ‏)‏ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ، وَعَلَى الْأَبِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، وَفَارَقَ شَرِيكُ الْأَبِ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ بِأَنَّ الْخَطَأَ شُبْهَةٌ فِي فِعْلِ الْخَاطِئِ وَالْفِعْلَانِ مُضَافَانِ إلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ صَدَرَا مِنْ وَاحِدٍ وَشُبْهَةُ الْأُبُوَّةِ فِي ذَاتِ الْأَبِ لَا فِي الْفِعْلِ وَذَاتُ الْأَبِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ ذَاتِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُقْتَلُ ‏(‏عَبْدٌ شَارَكَ حُرًّا فِي‏)‏ قَتْلِ ‏(‏عَبْدٍ، وَ‏)‏ يُقْتَلُ ‏(‏ذِمِّيٌّ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي‏)‏ قَتْلِ ‏(‏ذِمِّيٍّ‏)‏ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ لَوْ انْفَرَدَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَإِذَا شَارَكَهُ فِي الْعَمْدِيَّةِ مَنْ لَا يَقْتَصُّ مِنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ وَجَبَ أَيْضًا، كَمَا لَوْ رَمَى اثْنَانِ سَهْمًا إلَى وَاحِدٍ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ، وَكَمَا لَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يُقْتَلُ ‏(‏شَرِيكُ حَرْبِيٍّ‏)‏ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا شَرِيكُ ‏(‏قَاطِعٍ قِصَاصًا أَوْ‏)‏ قَاطِعٍ ‏(‏حَدًّا‏)‏ كَأَنْ جَرَحَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ الْقَاطِعِ وَمَاتَ بِالْقَطْعِ وَالْجُرْحِ ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا يُقْتَلُ ‏(‏شَرِيكُ‏)‏ جَارِحِ ‏(‏النَّفْسِ‏)‏ كَأَنْ جَرَحَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ بِهِمَا ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا شَرِيكُ ‏(‏دَافِعِ الصَّائِلِ‏)‏ كَأَنْ جَرَحَهُ بَعْدَ دَفْعِ الصَّائِلِ فَمَاتَ بِهِمَا، وَكَذَا يُقْتَلُ شَرِيكُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٍ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ فِي قَتْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَكَذَا يُقْتَلُ شَرِيكُ السَّبُعِ وَالْحَيَّةِ الْقَاتِلَيْنِ غَالِبًا فِي قَتْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَكَذَا يُقْتَلُ عَبْدٌ شَارَكَ سَيِّدًا فِي قَتْلِ عَبْدِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِحُصُولِ الزُّهُوقِ فِيمَا ذُكِرَ بِفِعْلَيْنِ عَمْدَيْنِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ عَلَى الْآخَرِ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ فَصَارَ كَشَرِيكِ الْأَبِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُقْتَلُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ مَنْ لَا يَضْمَنُ، فَهُوَ أَخَفُّ حَالًا مِنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ الَّذِي فِعْلُهُ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، فَإِذَا لَمْ نُوجِبْ الْقِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَيُفَارِقُ شَرِيكَ الْأَبِ بِأَنَّ فِعْلَهُ مَضْمُونٌ بِخِلَافِهِ هُنَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ شَرِيكِ السَّبُعِ وَالْحَيَّةِ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَوَقَعَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، الْأَوَّلُ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ جَرَحَهُ شَخْصٌ خَطَأً وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ‏.‏ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَخَرَجَ بِالْخَطَإِ الْعَمْدُ فَيُقْتَصُّ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَلَوْ جَرَحَهُ‏)‏ أَيْ وَاحِدٌ شَخْصًا ‏(‏جُرْحَيْنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً‏)‏ بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ جُرْحَيْنِ ‏(‏وَمَاتَ بِهِمَا، أَوْ‏)‏ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ مَضْمُونًا وَغَيْرَ مَضْمُونٍ كَمَنْ ‏(‏جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا‏)‏ أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ أَوْ صَائِلًا ‏(‏ثُمَّ أَسْلَمَ‏)‏ الْمَجْرُوحُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ رَجَعَ الصَّائِلُ ‏(‏وَجَرَحَهُ‏)‏ أَيْ مَنْ ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ ‏(‏ثَانِيًا فَمَاتَ‏)‏ بِهِمَا بِالْجُرْحَيْنِ، أَوْ جَرَحَ شَخْصًا بِحَقٍّ كَقِصَاصٍ وَسَرِقَةٍ ثُمَّ جَرَحَهُ عُدْوَانًا، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا مَثَلًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ ‏(‏لَمْ يُقْتَلْ‏)‏ ذَلِكَ الْوَاحِدُ‏.‏ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الزُّهُوقَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ الْمُخَفَّفَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي مَالِهِ‏.‏ وَأَمَّا فِي بَاقِي الصُّوَرِ فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ فَغَلَبَ مُسْقِطُ الْقِصَاصِ كَمَا مَرَّ وَيَثْبُتُ مُوجِبُ الْجُرْحِ الثَّانِي مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ إحْدَى الْجِرَاحَتَيْنِ بِأَمْرِهِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ دَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ مُذَفِّفٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى جَارِحِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ السُّمُّ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا وَعَلِمَ فَشَرِيكُ جَارِحِ نَفْسِهِ، وَقِيلَ شَرِيكُ مُخْطِئٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ دَاوَى‏)‏ الْمَجْرُوحُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ ‏(‏جُرْحَهُ بِسُمٍّ مُذَفِّفٍ‏)‏ أَيْ قَاتِلٍ فِي الْحَالِ كَأَنْ شَرِبَهُ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى الْجُرْحِ ‏(‏فَلَا قِصَاصَ‏)‏ وَلَا دِيَةَ ‏(‏عَلَى جَارِحِهِ‏)‏ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَ قَتَلَ نَفْسَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ فَذَبَحَ هُوَ نَفْسَهُ‏.‏ أَمَّا الْجُرْحُ فَعَلَى الْجَارِحِ ضَمَانُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَلَا ضَمَانَ فِي النَّفْسِ كَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْمَجْرُوحُ حَالَ السُّمِّ أَوْ لَا‏.‏ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏السُّمُّ غَالِبًا فَشِبْهُ‏)‏ أَيْ فَالْمُدَاوَاةُ بِهِ شِبْهُ ‏(‏عَمْدٍ‏)‏ فَلَا قِصَاصَ عَلَى جَارِحِهِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لِصَاحِبِ شِبْهِ عَمْدٍ بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَالْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إنْ اقْتَضَاهُ الْجُرْحُ ‏(‏وَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا وَعَلِمَ‏)‏ الْمَجْرُوحُ ‏(‏فَشَرِيكُ جَارِحِ نَفْسِهِ‏)‏ فِي أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا سَبَقَ تَنْزِيلَا لِفِعْلِ الْمَجْرُوحِ مَنْزِلَةَ الْعَمْدِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هُوَ ‏(‏شَرِيكُ مُخْطِئٍ‏)‏ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّدَاوِيَ فَأَخْطَأَ فَلَا قَوَدَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقِيلَ حِكَايَةَ وَجْهٍ، بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ خَفَاءٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ تَوْجِيهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ قَتْلَ نَفْسِهِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ الْأَلَمِ مَثَلًا كَانَ شَرِيكَ قَاتِلِ نَفْسِهِ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَعَلِمَ عَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا قِصَاصَ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ، وَلَوْ خَاطَ الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ فِي لَحْمٍ حَيٍّ وَلَوْ تَدَاوِيًا خِيَاطَةً تَقْتُلُ غَالِبًا، فَفِي الْقِصَاصِ الطَّرِيقَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَاطَهُ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا لِلْجِلْدِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمُهْلِكِ فَعَلَى الْجَارِحِ الْقِصَاصُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلَوْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِلَا أَمْرٍ مِنْهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَمِنْ الْجَارِح وَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ إمَامًا لِتَعَدِّيهِ مَعَ الْجَارِحِ، فَإِنْ خَاطَهُ الْإِمَامُ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لِمَصْلَحَةٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُهَا وَنِصْفُهَا الْآخَرُ فِي مَالِ الْجَارِحِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَصَدَ الْمَجْرُوحُ أَوْ غَيْرُهُ الْخِيَاطَةَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَوَقَعَ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَالْجَارِحُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْخِيَاطَةَ فِي الْجِلْدِ فَوَقَعَ فِي اللَّحْمِ، وَالْكَيُّ فِيمَا ذُكِرَ كَالْخِيَاطَةِ فِيهِ، وَلَا أَثَرَ لِدَوَاءٍ لَا يَضُرُّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا عَلَى الْمَجْرُوحِ مِنْ قُرُوحٍ، وَلَا بِمَا بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَضَنًى‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُضَافُ إلَى أَحَدٍ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ فَقَتَلُوهُ، وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ قَاتِلٍ فَفِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ أَوْجُهٌ‏:‏ أَصَحُّهَا يَجِبُ إنْ تَوَاطَئُوا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَقَتَلُوهُ وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ ‏(‏غَيْرُ قَاتِلٍ فَفِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ أَوْجُهٌ‏)‏ أَحَدُهَا‏:‏ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ الْقِصَاصُ كَيْ لَا يَصِيرَ ذَرِيعَةً إلَى الْقَتْلِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ شِبْهُ عَمْدٍ‏.‏ وَالثَّالِثُ وَهُوَ ‏(‏أَصَحُّهَا يَجِبُ‏)‏ عَلَيْهِمْ ‏(‏إنْ تَوَاطَئُوا‏)‏ أَيْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَرْبِهِ تِلْكَ الضَّرَبَاتِ وَكَانَ ضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ يُؤَثِّرُ فِي الزُّهُوقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الضَّرَبَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُلَاقِي ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ، بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ، وَيُخَالِفُ الْجِرَاحَاتِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّوَاطُؤُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْجُرْحِ يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ، بِخِلَافِ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ قَاتِلٍ عَمَّا لَوْ كَانَ قَاتِلًا فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصَ مُطْلَقًا، وَلَوْ ضَرَبَهُ وَاحِدٌ ضَرْبًا يَقْتُلُ كَأَنْ ضَرَبَهُ خَمْسِينَ سَوْطًا ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ سَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً حَالَ الْأَلَمِ مِنْ ضَرْبِ الْأَوَّلِ عَالِمًا بِضَرْبِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ مِنْهُمَا، أَوْ جَاهِلًا بِهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْإِهْلَاكِ مِنْ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ شَرِيكٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ، وَعَلَى الثَّانِي حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ شِبْهِهِ وَإِنْ ضَرَبَاهُ بِالْعَكْسِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْأَوَّلِ شِبْهُ عَمْدٍ وَالثَّانِي شَرِيكُهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَالثَّانِي حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا مُرَتَّبًا قُتِلَ بِأَوَّلِهِمْ، أَوْ مَعًا فَبِالْقُرْعَةِ، وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ عَصَى وَوَقَعَ قِصَاصًا، وَلِلْأَوَّلِ دِيَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا‏)‏ أَوْ قَطَعَ أَطْرَافَهُمْ مَثَلًا ‏(‏مُرَتَّبًا قُتِلَ‏)‏ أَوْ قُطِعَ ‏(‏بِأَوَّلِهِمْ‏)‏ إنْ لَمْ يَعْفُ لِسَبْقِ حَقِّهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَانَ عَبْدًا قُتِلَ بِجَمِيعِهِمْ، فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ قُتِلَ بِالثَّانِي وَهَكَذَا، وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِوَقْتِ الْمَوْتِ لَا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ ‏(‏أَوْ مَعًا‏)‏ أَيْ دُفْعَةً كَأَنْ جَرَحَهُمْ أَوْ هَدَمَ عَلَيْهِمْ جِدَارًا فَمَاتُوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُ الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ أَوْ عُلِمَ سَبْقٌ وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ السَّابِقِ ‏(‏فَبِالْقُرْعَةِ‏)‏ وُجُوبًا، وَقِيلَ‏:‏ نَدْبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ قُتِلَ أَوْ قُطِعَ بِهِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الثَّانِي أَنْ يُجْبِرَ وَلِيَّ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى الْقِصَاصِ أَوْ الْعَفْوِ بَلْ حَقُّهُ عَلَى التَّرَاخِي ‏(‏وَلِلْبَاقِينَ‏)‏ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ ‏(‏الدِّيَاتُ‏)‏ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ مَاتَ الْجَانِي، فَإِنْ اتَّسَعَتْ التَّرِكَةُ لِجَمِيعِهِمْ فَذَاكَ وَإِلَّا قُسِمَتْ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ الْقُرْعَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَوْ تَرَاضَوْا بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ إذْ الْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُمْ رَدُّوا إلَيْهَا‏.‏ قَالَهُ الْإِمَامُ، وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ طَلَبُوا الِاشْتِرَاكَ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَمْ يُجَابُوا لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْضُ أَوْلِيَاءِ الْقَتْلَى صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ غَائِبًا حُبِسَ الْقَاتِلُ إلَى بُلُوغِهِ وَإِفَاقَتِهِ وَقُدُومِهِ ‏(‏قُلْت‏)‏ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ‏)‏ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْأُولَى أَوْ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ ‏(‏عَصَى‏)‏ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُنِعَ مِنْ قَتْلِهَا وَعُزِّرَ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ ‏(‏وَوَقَعَ‏)‏ قَتْلُهُ ‏(‏قِصَاصًا‏)‏ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَفَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يُنْتَقَلُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ ‏(‏وَلِلْأَوَّلِ‏)‏ أَوْ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ‏(‏دِيَةٌ‏)‏ يَعْنِي وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَلَوْ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ أَسَاءُوا وَوَقَعَ الْقَتْلُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمْ وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْبَاقِي لَهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ حَقِّهِ وَلَهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ وَعَفَا الْوَارِثُ عَلَى مَالٍ اُخْتُصَّ بِالدِّيَةِ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ، وَهَلْ الْمُرَادُ دِيَةُ الْقَتِيلِ أَوْ الْقَاتِلِ‏؟‏ حَكَى الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَيْنِ‏:‏ وَفَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الدِّيَتَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ رَجُلًا وَالْقَاتِلُ امْرَأَةً وَجَبَ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْعَكْسِ مِائَةٌ، وَالْأَوْجَهُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى الْمَوْتِ بِعِصْمَةٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ إهْدَارٍ أَوْ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ بِهِ‏]‏

المتن‏:‏

جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحِ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ‏:‏ تَجِبُ دِيَةٌ، وَلَوْ رَمَاهُمَا فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ فَلَا قِصَاصَ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي تَغَيُّرِ حَالِ الْمَجْرُوحِ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى الْمَوْتِ بِعِصْمَةٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ إهْدَارٍ أَوْ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ بِهِ‏.‏ إذَا ‏(‏جَرَحَ‏)‏ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ‏(‏حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا‏)‏ وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ ‏(‏أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَسْلَمَ‏)‏ الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ أَوْ أُمِّنَ الْحَرْبِيُّ ‏(‏وَعَتَقَ‏)‏ الْعَبْدُ ‏(‏ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحِ‏)‏ أَيْ بِسِرَايَتِهِ ‏(‏فَلَا ضَمَانَ‏)‏ بِمَالٍ وَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ السَّابِقَ غَيْرُ مَضْمُونٍ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ تَجِبُ دِيَةٌ‏)‏ مُخَفَّفَةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ، وَالْمُرَادُ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ عَقِبَهَا‏.‏ قَاعِدَةٌ‏:‏ كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي أَوَّلِهِ فَقَطْ فَالنَّفْسُ هَدَرٌ، وَيَجِبُ ضَمَانُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الْحَالَيْنِ اُعْتُبِرَ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ الِانْتِهَاءُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ الْمُكَافَأَةُ مِنْ الْفِعْلِ إلَى الِانْتِهَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ رَمَاهُمَا‏)‏ أَيْ نَوْعُ الْكَافِرِ بِصِفَتَيْنِ مِنْ حِرَابَةٍ وَرِدَّةٍ وَنَوْعُ عَبْدِ نَفْسِهِ ‏(‏فَأَسْلَمَ‏)‏ الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ أَوْ أَمِنَ الْحَرْبِيُّ ‏(‏وَعَتَقَ‏)‏ الْعَبْدُ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ ‏(‏فَلَا قِصَاصَ‏)‏ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ فِي أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْجِنَايَةِ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ‏)‏ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ اتِّصَالِ الْجِنَايَةِ وَالرَّمْيِ كَالْمُقَدَّمَةِ الَّتِي يَتَسَبَّبُ بِهَا إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا وَهُنَاكَ‏:‏ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ السَّبَبِ مُهْدَرًا، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ الدَّاخِلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ، وَالْخِلَافُ مُرَتَّبٌ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ وَعَتَقَ بَعْدَ الْجُرْحِ وَأَوْلَى مِنْهُ بِالْوُجُوبِ، وَكَانَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ لِذَلِكَ، وَعَبْدُ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ، وَسَكَتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ كَمَا مَرَّ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ‏:‏ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ، وَأَنْ يَقُولَ‏:‏ رَمَاهُمْ لِيَعُودَ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، وَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرِ السَّابِقَيْنِ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الدِّيَةِ ‏(‏مُخَفَّفَةً‏)‏ مَضْرُوبَةً ‏(‏عَلَى الْعَاقِلَةِ‏)‏ لِأَنَّهَا دِيَةُ خَطَإٍ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ‏:‏ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ، وَقِيلَ‏:‏ عَمْدٍ، وَعَكْسُ هَذَا وَهُوَ لَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَالنَّفْسُ هَدَرٌ، وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ فِي الْأَظْهَرِ يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ، وَقِيلَ الْإِمَامُ، فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ‏:‏ مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَةٍ، وَقِيلَ أَرْشُهُ، وَقِيلَ هَدَرٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ ارْتَدَّ‏)‏ الْمُسْلِمُ ‏(‏الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ‏)‏ مُرْتَدًّا وَجَارِحُهُ غَيْرُ مُرْتَدٍّ ‏(‏فَالنَّفْسُ هَدَرٌ‏)‏ لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْجَارِحُ الْإِمَامَ أَمْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ حِينَئِذٍ مُبَاشَرَةً لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ، فَكَذَا بِالسِّرَايَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ جَارِحُهُ مُرْتَدًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏يَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ‏)‏ إنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْمُوضِحَةِ وَقَطْعِ الطَّرَفِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ مُنْفَرِدٌ عَنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْرِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ صَارَتْ نَفْسًا وَهِيَ مُهْدَرَةٌ، فَكَذَا الطَّرَفُ وَاحْتُرِزَ بِالسِّرَايَةِ عَمَّا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَانْدَمَلَتْ يَدُهُ فَلَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ ‏(‏يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ‏)‏ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ نَاقِصًا انْتَظَرُوا كَمَالَهُ لِيَسْتَوْفِيَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ بِالْوَارِثِ لَوْلَا الرِّدَّةُ بَدَلَ الْقَرِيبِ الشَّامِلِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لَكَانَ أَوْلَى ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ وَنَسَبَهُ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ لِلْأَكْثَرِ يَسْتَوْفِيهِ ‏(‏الْإِمَامُ‏)‏ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ كَمَا يَسْتَوْفِي قِصَاصَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ قَرِيبُهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ فِيمَا إذَا اقْتَضَى الْجُرْحُ قِصَاصًا كَمَا مَرَّ ‏(‏فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ‏)‏ لِلْمُرْتَدِّ ‏(‏مَالًا‏)‏ كَهَاشِمَةٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ خَطَأً ‏(‏وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ‏)‏ أَيْ الْجُرْحِ ‏(‏وَدِيَةً‏)‏ لِلنَّفْسِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ كَجَائِفَةٍ لَمْ يَزِدْ بِالسِّرَايَةِ فِي الرِّدَّةِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ النَّفْسِ أَقَلَّ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُسْلِمًا بِالسِّرَايَةِ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا فَهَهُنَا أَوْلَى ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ وَجَبَ ‏(‏أَرْشُهُ‏)‏ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الدِّيَةِ فَفِي قَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ دِيَتَانِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْوَاجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَيْءٌ لَا يَأْخُذُ الْوَارِثُ مِنْهُ شَيْئًا ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هَذَا الْجُرْحُ ‏(‏هَدَرٌ‏)‏ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ إذَا سَرَتْ صَارَتْ قَتْلًا وَصَارَتْ الْأَطْرَافُ تَابِعَةً لِلنَّفْسِ وَالنَّفْسُ مُهْدَرَةٌ فَكَذَلِكَ مَا يَتْبَعُهَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا طَرَأَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الْجُرْحِ، فَلَوْ طَرَأَتْ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ فَلَا ضَمَانَ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ كَانَ مُرْتَدًّا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ، وَقِيلَ إنْ قَصُرَتْ الرِّدَّةُ وَجَبَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا، وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ أَوْ حُرٌّ عَبْدًا فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ ارْتَدَّ‏)‏ الْمَجْرُوحُ ‏(‏ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ لَوْ مَاتَ فِيهَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقِصَاصِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ وَهُوَ قَوْلٌ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ ‏(‏إنْ قَصُرَتْ الرِّدَّةُ‏)‏ أَيْ زَمَنُهَا بِأَنْ لَمْ يَمْضِ فِي الرِّدَّةِ زَمَنٌ يَسْرِي فِيهِ الْجُرْحُ ‏(‏وَجَبَ‏)‏ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهَا إذَا قَصُرَتْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا أَثَرُ السِّرَايَةِ، فَإِنْ طَالَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا ‏(‏وَتَجِبُ‏)‏ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏الدِّيَةُ‏)‏ بِكَمَالِهَا فِي مَالِهِ لِوُقُوعِ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ فِي حَالَةِ الْعِصْمَةِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا‏)‏ تَوْزِيعًا عَلَى حَالَتَيْ الْعِصْمَةِ وَالْإِهْدَارِ، وَفِي ثَالِثٍ ثُلُثَاهَا تَوْزِيعًا عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ حَالَتَيْ الْعِصْمَةِ وَحَالَةِ الْإِهْدَارِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَإِلَّا فَيُقْطَعُ بِكَمَالِهَا ‏(‏وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ، أَوْ‏)‏ جَرَحَ ‏(‏حُرٌّ عَبْدًا‏)‏ مُسْلِمًا لِغَيْرِهِ ‏(‏فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ‏)‏ عَلَى الْجَارِحِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْجِنَايَةِ مَنْ يُكَافِئُهُ فَكَانَ شُبْهَةً‏.‏

المتن‏:‏

وَتَجِبُ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَهِيَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ وَقِيمَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ حُرًّا وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَجِبُ دِيَةُ‏)‏ حُرٍّ ‏(‏مُسْلِمٍ‏)‏ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الِانْتِهَاءِ حُرٌّ مُسْلِمٌ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا وَجَبَ دِيَةُ حُرٍّ كَافِرٍ، وَخَرَجَ بِالسِّرَايَةِ مَا لَوْ انْدَمَلَ الْجُرْحُ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ مَثَلًا لَزِمَهُ كَمَالُ قِيمَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَمْ بَعْدَهُ، ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ دِيَةُ الْعَتِيقِ إذَا مَاتَ سِرَايَةً وَلَمْ يَكُنْ لِجُرْحِهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ ‏(‏لِسَيِّدِ الْعَبْدِ‏)‏ سَاوَتْ قِيمَتَهُ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْقَدْرَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيهَا بَلْ لِلْجَانِي الْعُدُولُ لِقِيمَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ مَوْجُودَةً، فَإِذَا تَسَلَّمَ الدَّرَاهِمَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةٌ إلَّا بِالدِّيَةِ ‏(‏فَإِنْ زَادَتْ‏)‏ دِيَةُ الْعَبْدِ ‏(‏عَلَى قِيمَتِهِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ‏)‏ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ لِجُرْحِهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَأَنْ ‏(‏قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ‏)‏ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ ‏(‏فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ‏)‏ وَأَوْجَبْنَا كَمَالَ الدِّيَةِ كَمَا مَرَّ ‏(‏فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏نِصْفِ قِيمَتِهِ‏)‏ وَهُوَ أَرْشُ الْعُضْوِ الَّذِي تَلِفَ فِي مِلْكِهِ لَوْ انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الرِّقِّ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي حَقِّ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ الدِّيَةِ أَقَلَّ فَلَا وَاجِبَ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَقَلَّ فَهُوَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي مِلْكِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ بِأَرْشِ الْقَطْعِ بَدَلَ نِصْفِ الْقِيمَةِ كَانَ أَعَمَّ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ لِلسَّيِّدِ ‏(‏الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ، وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏قِيمَتِهِ‏)‏ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لِلسَّيِّدِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا فِي حَقِّهِ، فَيُقَدَّرُ مَوْتُهُ رَقِيقًا وَمَوْتُهُ حُرًّا، وَيَجِبُ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْعِوَضَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ أَقَلَّ فَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي غَيْرُهَا، وَمِنْ إعْتَاقِ السَّيِّدِ جَاءَ النُّقْصَانُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إلَّا قَدْرُ الْقِيمَةِ الَّذِي يَأْخُذُهُ لَوْ مَاتَ رَقِيقًا ‏(‏وَلَوْ قَطَعَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏يَدَهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ ‏(‏فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ‏)‏ مَثَلًا كَأَنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ الْأُخْرَى، وَالْآخَرُ إحْدَى رِجْلَيْهِ ‏(‏وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ‏)‏ الْحَاصِلَةِ مِنْ قَطْعِهِمْ ‏(‏فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ حُرًّا‏)‏ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ حَالَ الْجِنَايَةِ ‏(‏وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ‏)‏ قِصَاصُ الطَّرَفِ قَطْعًا وَقِصَاصُ النَّفْسِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمَا كُفْآنِ، وَسُقُوطُهُ عَنْ الْأَوَّلِ لِمَعْنًى فِيهِ فَأَشْبَهَ شَرِيكَ الْأَبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْآخَرَيْنِ، وَيَجِبُ حِينَئِذٍ دِيَةُ حُرٍّ مُوَزَّعَةٌ عَلَى الْجِنَايَاتِ الثَّلَاثِ كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا؛ لِأَنَّ جُرْحَهُمْ صَارَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي عَلَى مِلْكِهِ وَالْآخَرَانِ جَنَيَا عَلَى حُرٍّ، وَفِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ الْقَوْلَانِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَمِنْ أَرْشِ الْقَطْعِ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَعَلَى الثَّانِي أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَثُلُثِ الْقِيمَةِ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَقَدْ وَقَعَ هُنَا لِابْنِ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحَيْهِ وَهْمٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ فَاحْذَرْهُ ا هـ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ فَحَزَّ آخَرُ رَقَبَتَهُ بَطَلَتْ السِّرَايَةُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ، وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ، فَإِنْ قَطَعَ الثَّانِي يَدَهُ الْأُخْرَى بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ حُزَّتْ رَقَبَتُهُ، فَإِنْ حَزَّهَا ثَالِثٌ بَطَلَتْ سِرَايَةُ الْقَطْعَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ، وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلْوَارِثِ، وَعَلَى الثَّالِثِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ، وَإِنْ حَزَّهُ الْقَاطِعُ أَوَّلًا قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ قُتِلَ بِهِ سَقَطَ حَقُّ السَّيِّدِ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ الْوَارِثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَلِلسَّيِّدِ مِنْهَا الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا وَنِصْفِ الْقِيمَةِ، أَوْ حَزَّهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ، وَقِصَاصُ النَّفْسِ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ، وَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ حَزَّهُ الثَّانِي قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏]‏

المتن‏:‏

يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏(‏يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ‏)‏ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَا لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ كَأُذُنٍ وَيَدٍ وَرِجْلٍ ‏(‏وَ‏)‏ لِقِصَاصِ ‏(‏الْجُرْحِ‏)‏ بِضَمِّ الْجِيمِ وَلِغَيْرِهِمَا مِمَّا دُونَ النَّفْسِ ‏(‏مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ‏)‏ مِنْ كَوْنِ الْجَانِي مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا، وَكَوْنِهِ غَيْرَ أَصْلٍ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَكَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعْصُومًا وَمُكَافِئًا لِلْجَانِي، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الْبَدَلِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ، فَيُقْطَعُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ، وَبِالْعَكْسِ، وَالذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَا عَكْسَ، وَكَوْنِ الْجِنَايَةِ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَمِنْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ‏.‏ وَمِنْ صُوَرِ الْخَطَأِ‏:‏ أَنْ يَقْصِدَ أَنْ يُصِيبَ حَائِطًا بِحَجَرٍ فَيُصِيبَ رَأْسَ إنْسَانٍ فَيُوضِحَهُ‏.‏ وَمِنْ صُوَرِ شِبْهِ الْعَمْدِ‏:‏ أَنْ يَضْرِبَ رَأْسَهُ بِلَطْمَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ لَا يَشُجُّ غَالِبًا لِصِغَرِهِ فَيَتَوَرَّمَ الْمَوْضِعُ إلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْعَظْمُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُرَادُ الْمُصَنِّفِ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالنَّفْسِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَصَا الْخَفِيفَةِ إنَّهُ عَمْدٌ فِي الشِّجَاجِ؛ لِأَنَّهُ يُوضِحُ غَالِبًا، وَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَمَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ مِمَّا يُوضِحُ غَالِبًا وَلَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَوْضَحَ بِهِ وَجَبَ قِصَاصُ الْمُوضِحَةِ، وَلَوْ مَاتَ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ قِصَاصُ النَّفْسِ كَمَا فِي الشَّامِلِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا مَاتَ فِي الْحَالِ بِلَا سِرَايَةٍ وَإِلَّا فَيُوجِبُهُ فِيهَا أَيْضًا، وَهُوَ حَسَنٌ‏.‏ وَمَا إذَا قَطَعَ السَّيِّدُ طَرَفَ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ إذَا قَتَلَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَمُوتُ عَلَى مِلْكِ مُكَاتَبِهِ، وَلَا تَبْطُلُ بِقَطْعِ طَرَفِهِ، وَأَرْشُهُ كَسْبٌ لَهُ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ لَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَظِيرَ لَهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الصِّحَّةِ لِئَلَّا يَرُدَّ عَلَيْهِ الطَّرَفَ الْأَشَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ السَّلِيمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَامِلَ الْخَلْقِ يُقْتَلُ بِالزَّمِنِ وَالْمَقْطُوعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ وَضَعُوا سَيْفًا عَلَى يَدِهِ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً فَأَبَانُوهَا قُطِعُوا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ تُقْطَعُ الْأَيْدِي الْكَثِيرَةُ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ كَمَا ‏(‏لَوْ‏)‏ اشْتَرَكَ جَمْعٌ فِي قَطْعٍ‏:‏ كَأَنْ ‏(‏وَضَعُوا سَيْفًا‏)‏ مَثَلًا ‏(‏عَلَى يَدِهِ‏)‏ أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ‏(‏وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً‏)‏ أَيْ الْيَدِ بِتَأْوِيلِ الْعُضْوِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ ‏(‏فَأَبَانُوهَا قُطِعُوا‏)‏ كُلُّهُمْ إنْ تَعَمَّدُوا كَمَا فِي النَّفْسِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ سَرَقَ رَجُلَانِ نِصَابًا وَاحِدًا لَمْ يُقْطَعَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحُدُودُ بِالْمُسَاهَلَاتِ أَحَقُّ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً عَمَّا لَوْ تَمَيَّزَ فِعْلُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ كَأَنْ قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ جَانِبٍ وَالْتَقَتْ الْحَدِيدَتَانِ، وَبِقَوْلِهِ‏:‏ وَأَبَانُوهَا عَمَّا لَوْ أَبَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَعْضَ الطَّرَفِ أَوْ تَعَاوَنُوا عَلَى قَطْعِهِ بِمِنْشَارٍ جَرَّهُ بَعْضُهُمْ فِي الذَّهَابِ وَبَعْضُهُمْ فِي الْعَوْدِ فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى أَحَدٍ فِي الْأُولَى خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ لِاشْتِمَالِ الْمَحَلِّ عَلَى أَعْصَابٍ مُلْتَفَّةٍ وَعُرُوقٍ ضَارِبَةٍ وَسَاكِنَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ وَضْعِهَا فِي الْأَعْضَاءِ، بَلْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ حُكُومَةٌ تَلِيقُ بِجِنَايَتِهِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ مَجْمُوعُ الْحُكُومَاتِ دِيَةَ الْيَدِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ‏.‏

المتن‏:‏

وَشِجَاجُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ عَشْرٌ‏:‏ حَارِصَةٌ، وَهِيَ مَا شَقَّ الْجِلْدَ قَلِيلًا، وَدَامِيَةٌ تُدْمِيهِ، وَبَاضِعَةٌ تَقْطَعُ اللَّحْمَ، وَمُتَلَاحِمَةٌ تَغُوصُ فِيهِ، وَسِمْحَاقٌ تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَمُوضِحَةٌ تُوضِحُ الْعَظْمَ، وَهَاشِمَةٌ تَهْشِمُهُ، وَمُنَقِّلَةٌ تَنْقُلُهُ، وَمَأْمُومَةٌ تَبْلُغُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ، وَدَامِغَةٌ تَخْرِقُهَا، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ وَفِيمَا قَبْلَهَا سِوَى الْحَارِصَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَشِجَاجُ‏)‏ مَجْمُوعِ ‏(‏الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ شَجَّةٍ بِفَتْحِهَا، وَهِيَ جُرْحٌ فِيهِمَا أَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَيُسَمَّى جُرْحًا لَا شَجَّةً ‏(‏عَشْرٌ‏)‏ دَلِيلُهُ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِ الْعَرَبِ ثُمَّ بَدَأَ بِأَوَّلِ الشِّجَاجِ بِقَوْلِهِ ‏(‏حَارِصَةٌ‏)‏ بِمُهْمَلَاتٍ ‏(‏وَهِيَ مَا شَقَّ الْجِلْدَ قَلِيلًا‏)‏ كَالْخَدْشِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ بِالدَّقِّ، وَتُسَمَّى أَيْضًا‏:‏ الْقَاشِرَةَ بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، وَالْحَرْصَةَ وَالْحَرِيصَةَ ‏(‏وَدَامِيَةٌ‏)‏ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ خَفِيفَةٍ، وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تُدْمِيهِ‏)‏ بِضَمِّ أَوَّلِهِ‏:‏ أَيْ الشَّقُّ مِنْ غَيْرِ سَيَلَانِ دَمٍ، فَإِنْ سَالَ فَدَامِعَةٌ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ الشِّجَاجُ أَحَدَ عَشَرَ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَبَاضِعَةٌ‏)‏ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تَقْطَعُ‏)‏ أَيْ تَشُقُّ ‏(‏اللَّحْمَ‏)‏ الَّذِي بَعْدَ الْجِلْدِ شَقًّا خَفِيفًا مِنْ الْبَضْعِ، وَهُوَ الْقَطْعُ ‏(‏وَمُتَلَاحِمَةٌ‏)‏ بِمُهْمَلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تَغُوصُ فِيهِ‏)‏ أَيْ اللَّحْمِ وَلَا تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا بِمَا تَئُولُ إلَيْهِ مِنْ الِالْتِحَامِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُلَاحِمَةَ ‏(‏وَسِمْحَاقٌ‏)‏ بِسِينٍ مَكْسُورَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ‏)‏ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ يُقَالُ لَهَا سِمْحَاقُ الرَّأْسِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ سَمَاحِيقِ الْبَطْنِ، وَهِيَ الشَّحْمُ الرَّقِيقُ‏.‏ وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الشَّحْمَةُ الْمِلْطَاءَ وَالْمِلْطَاةَ وَاللَّاطِئَةَ ‏(‏وَمُوضِحَةٌ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تُوضِحُ‏)‏ أَيْ تَكْشِفُ ‏(‏الْعَظْمَ‏)‏ بِحَيْثُ يُقْرَعُ بِالْمِرْوَدِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ الْعَظْمُ مِنْ أَجْلِ الدَّمِ الَّذِي يَسْتُرُهُ، حَتَّى لَوْ غَرَزَ إبْرَةً فِي رَأْسِهِ وَوَصَلَتْ إلَى الْعَظْمِ كَانَ إيضَاحًا ‏(‏وَهَاشِمَةٌ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تَهْشِمُهُ‏)‏ أَيْ تَكْسِرُهُ، سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ أَمْ لَا ‏(‏ وَمُنَقِّلَةٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمَنْقُولَةَ، وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تَنْقُلُهُ‏)‏ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ، سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ وَهَشَّمَتْهُ أَوْ لَا ‏(‏وَمَأْمُومَةٌ‏)‏ بِالْهَمْزِ جَمْعُهَا مَآمِيمُ كَمَكَاسِيرَ، وَتُسَمَّى أَيْضًا آمَّةً، وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تَبْلُغُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ‏)‏ الْمُحِيطَةَ بِهِ وَهِيَ أُمُّ الرَّأْسِ ‏(‏وَدَامِغَةٌ‏)‏ بِمُعْجَمَةٍ، وَهِيَ الَّتِي ‏(‏تَخْرِقُهَا‏)‏ أَيْ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ وَتَصِلُ إلَيْهِ، وَهِيَ مُذَفِّفَةٌ غَالِبًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ‏:‏ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الشِّجَاجِ تُتَصَوَّرُ فِي الْوَجْهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَبْهَةِ، وَيُتَصَوَّرُ مَا عَدَا الْمَأْمُومَةَ وَالدَّامِغَةَ فِي خَدٍّ، وَقَصَبَةِ أَنْفٍ وَلَحْيٍ أَسْفَلَ وَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَهَذِهِ الْعَشَرَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَزَادَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ الدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الدَّالِ، وَلِذَلِكَ عَدَّهَا الْمَاوَرْدِيُّ أَحَدَ عَشَرَ ‏(‏وَيَجِبُ الْقِصَاصُ‏)‏ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ ‏(‏فِي الْمُوضِحَةِ فَقَطْ‏)‏ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا‏.‏ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي طُولِ الْجِرَاحَةِ وَعَرْضِهَا وَلَا يُوثَقُ بِاسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ ‏(‏وَفِيمَا قَبْلَهَا‏)‏ مِنْ الشِّجَاجِ أَيْضًا ‏(‏سِوَى الْحَارِصَةِ‏)‏ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهَا جَزْمًا، وَهِيَ الدَّامِيَةُ وَالْبَاضِعَةُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَالسِّمْحَاقُ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْطُوعِ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اسْتِثْنَاءُ الْحَارِصَةِ مِمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ‏:‏ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْحَارِصَةَ لَا قِصَاصَ فِيهَا قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا ا هـ‏.‏

وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّ كَلَامَ جَمَاعَةٍ يُفْهِمُ خِلَافًا فِيهَا وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي الْقِصَاصَ فِيهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِيفَائِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَوْضَحَ فِي بَاقِي الْبَدَنِ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَارِنٍ أَوْ أُذُنٍ وَلَمْ يُبِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَوْضَحَ فِي بَاقِي الْبَدَنِ‏)‏ كَأَنْ كَشَفَ عَظْمَ الصَّدْرِ أَوْ الْعُنُقِ أَوْ السَّاعِدِ أَوْ الْأَصَابِعِ ‏(‏أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَارِنٍ‏)‏ وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ‏:‏ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَطَعَ بَعْضَ ‏(‏أُذُنٍ‏)‏ أَوْ شَفَةٍ أَوْ لِسَانٍ أَوْ حَشَفَةٍ ‏(‏وَلَمْ يُبِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْأَظْهَرِ أَمَّا فِي الْإِيضَاحِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ وَلِمَا مَرَّ فِي الْمُوضِحَةِ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَرْشِ فَإِنَّهُ لَا أَرْشَ فِيهِ مُقَدَّرٌ، وَنَقَضَهُ الْأَوَّلُ بِالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ بِمِثْلِهَا وَلَا أَرْشَ لَهَا مُقَدَّرٌ وَكَذَا السَّاعِدُ بِلَا كَفٍّ وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ، وَهَذَا عَكْسُ الْجَائِفَةِ فَإِنَّ لَهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا وَلَا قِصَاصَ فِيهَا‏.‏ وَأَمَّا فِي الْقَطْعِ فَلِتَيَسُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَيُقَدَّرُ الْمَقْطُوعُ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَيُسْتَوْفَى مِنْ الْجَانِي مِثْلُهُ لَا بِالْمِسَاحَةِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ الْمَذْكُورَةَ تَخْتَلِفُ كِبَرًا وَصِغَرًا بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا ذُكِرَ‏:‏ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُتَلَاحِمَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَعْضِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْقِصَاصِ فِي بَعْضِ الْكُوعِ وَمَفْصِلِ السَّاقِ مِنْ الْقَدَمِ إذَا لَمْ يُبِنْهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي قَطْعِهِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ بَعْضُ الشَّفَةِ وَاللِّسَانِ وَالْحَشَفَةِ فَإِنَّ إبَانَتَهَا كَبَعْضِ الْأُذُنِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَبَانَ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الصَّحِيحُ الْوُجُوبُ‏.‏ وَقَدْ يُفْهِمُ أَيْضًا طَرْدَ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا بَقِيَ الْمَقْطُوعُ مُعَلَّقًا بِجِلْدَةٍ فَقَطْ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ فَائِدَةَ الْعُضْوِ، ثُمَّ إذَا انْتَهَى الْقَطْعُ فِي الْقِصَاصِ إلَى تِلْكَ الْجِلْدَةِ حَصَلَ الْقِصَاصُ، ثُمَّ يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَيُفْعَلُ فِيهَا الْمَصْلَحَةُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ تَرْكٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَلَا قِصَاصَ فِي إطَارِ شَفَةٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِهَا، إذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ ا هـ‏.‏

وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ غَلَطٌ، وَصَوَابُهُ هُنَا السَّهِ بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ بِلَا فَاءٍ، وَهُوَ حَلْقَةُ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْمُحِيطَ بِهَا لَا حَدَّ لَهُ‏.‏ قَالَ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ ا هـ‏.‏

وَعَلَى الْأَوَّلِ هُمَا مَسْأَلَتَانِ لَا قِصَاصَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ فِي الْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلٍ حَتَّى فِي أَصْلِ فَخِذٍ وَمَنْكِبٍ إنْ أَمْكَنَ بِلَا إجَافَةٍ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الْقِصَاصُ ‏(‏فِي الْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلٍ‏)‏ لِانْضِبَاطِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ مِيمِهِ وَكَسْرِ صَادِهِ‏:‏ وَاحِدُ مَفَاصِلِ الْأَعْضَاءِ مَوْضِعُ اتِّصَالِ عُضْوٍ بِآخَرَ عَلَى مَقْطَعِ عَظْمَاتِ بِرِبَاطَاتٍ وَاصِلَةٍ بَيْنَهُمَا‏.‏ إمَّا مَعَ دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالرُّكْبَةِ أَوْ لَا كَالْكُوعِ ‏(‏حَتَّى فِي أَصْلِ فَخِذٍ‏)‏ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْوَرِكِ ‏(‏وَمَنْكِبٍ‏)‏ وَهُوَ مَجْمَعُ مَا بَيْنَ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ ‏(‏إنْ أَمْكَنَ‏)‏ الْقِصَاصُ فِيهِمَا ‏(‏بِلَا إجَافَةٍ‏)‏ وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ إلَى جَوْفٍ كَمَا سَيَأْتِي لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِهَا ‏(‏فَلَا‏)‏ يَجِبُ الْقِصَاصُ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ سَوَاءٌ أَجَافَهُ الْجَانِي أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْجَوَائِفَ لَا تَنْضَبِطُ ضِيقًا وَسِعَةً وَتَأْثِيرًا وَنِكَايَةً، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِيهَا، وَالثَّانِي يَجِبُ إنْ أَجَافَهُ الْجَانِي، وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ‏:‏ يُمْكِنُ أَنْ يَقْطَعَ وَيُجَافَ مِثْلَ تِلْكَ الْجَائِفَةِ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ هُنَا تَابِعَةٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَمُتْ بِالْقَطْعِ، فَإِنْ مَاتَ بِهِ قُطِعَ الْجَانِي وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِلَا إجَافَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ فِي فَقْءِ عَيْنٍ وَقَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ وَمَارِنٍ وَشَفَةٍ وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ، وَكَذَا أَلْيَانِ وَشُفْرَانِ، فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الْقِصَاصُ ‏(‏فِي فَقْءِ عَيْنٍ‏)‏ أَيْ تَعْوِيرِهَا بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ‏(‏وَقَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ‏)‏ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا‏:‏ غِطَاءُ الْعَيْنِ مِنْ فَوْقُ وَمِنْ أَسْفَلُ ‏(‏وَمَارِنٍ‏)‏ وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ ‏(‏وَشَفَةٍ‏)‏ بِفَتْحِ الشِّينِ سُفْلَى أَوْ عُلْيَا وَأَصْلُهَا شَفَهَةٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى شِفَاهٍ ‏(‏وَلِسَانٍ‏)‏ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ‏(‏وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَفَاصِلُ؛ لِأَنَّ لَهَا نِهَايَاتٍ مَضْبُوطَةً فَأُلْحِقَتْ بِالْمَفَاصِلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ إطْلَاقُهُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِقَطْعِ الْأُذُنِ مَا لَوْ رَدَّهَا فِي حَرَارَةِ الدَّمِ وَالْتَصَقَتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِبَانَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَالْمُرَادُ بِالْأُنْثَيَيْنِ الْبَيْضَتَانِ‏.‏ وَأَمَّا الْخُصْيَتَانِ فَالْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ ‏(‏وَكَذَا أَلْيَانِ‏)‏ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ تَثْنِيَةُ أَلْيَةٍ، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ أَلْيَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَهُمَا اللَّحْمَانِ النَّاتِئَانِ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ ‏(‏وَشُفْرَانِ‏)‏ وَهُمَا بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ تَثْنِيَةُ شُفْرٍ، وَهُوَ حَرْفُ الْفَرْجِ‏:‏ اللَّحْمُ الْمُحِيطُ بِالْفَرْجِ إحَاطَةَ الشَّفَتَيْنِ بِالْفَمِ، وَشُفْرُ كُلِّ شَيْءٍ حَرْفُهُ، وَأَمَّا شُفْرُ الْعَيْنِ فَمَنْبَتُ هُدْبِهَا، وَحُكِيَ فِيهِ الْفَتْحُ‏:‏ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا إلَّا بِقَطْعِ غَيْرِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا قَبْلَ الْأَلْيَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الشَّفَةِ وَاللِّسَانِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهِمَا، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِيهِمَا بِالصَّحِيحِ، وَفِي الْأَلْيَيْنِ وَالشُّفْرَيْنِ بِالْأَصَحِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ‏)‏ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الضَّبْطِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى السِّنِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَهُ قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ، وَحُكُومَةُ الْبَاقِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِكَسْرِ عَظْمٍ مَعَ الْإِبَانَةِ ‏(‏قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إلَى‏)‏ أَسْفَلُ ‏(‏مَوْضِعِ الْكَسْرِ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏حُكُومَةُ الْبَاقِي‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا عَنْهُ، فَلَوْ كُسِرَ ذِرَاعُهُ اقْتَصَّ فِي الْكَفِّ وَأَخَذَ الْحُكُومَةَ لِمَا زَادَ وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي كَلَامِهِ أُمُورٌ‏:‏ أَحَدُهَا قَوْلُهُ‏:‏ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ‏.‏ يُفْهِمُ اعْتِبَارَ اتِّحَادِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ كُسِرَ الْعَظْمُ مِنْ نَفْسِ الْكُوعِ كَانَ لَهُ الْتِقَاطُ الْأَصَابِعِ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْمَفَاصِلُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ثَانِيهَا قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كُسِرَ عَظْمُ الْعَضُدِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ قَطْعِ الْكُوعِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏ ثَالِثُهَا‏:‏ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَقَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ يَحْصُلَ بِالْكَسْرِ انْفِصَالُ الْعُضْوِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏.‏ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ‏:‏ وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ قَالَ‏:‏ فَلَوْ حَصَلَ الْكَسْرُ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ أَقْرَبَ مَفْصِلٍ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَوْضَحَهُ وَهَشَمَ أَوْضَحَ وَأَخَذَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَوْضَحَهُ وَهَشَمَ أَوْضَحَ‏)‏ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ لِإِمْكَانِ الْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ ‏(‏وَأَخَذَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ‏)‏ عَنْ أَرْشِ الْهَشْمِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَوْضَحَ وَنَقَلَ أَوْضَحَ، وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَوْضَحَ وَنَقَلَ‏)‏ الْعَظْمَ ‏(‏أَوْضَحَ‏)‏ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ ‏(‏وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ‏)‏ أَرْشُ التَّنْقِيلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْهَشْمِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيمَا ذُكِرَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ أَوْضَحَ وَأَمَّ أَوْضَحَ لِمَا مَرَّ وَأَخَذَ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا وَثُلُثٌ؛ لِأَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَطَعَهُ مِنْ الْكُوعِ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُ أَصَابِعِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ عُزِّرَ وَلَا غُرْمَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَطَعَهُ‏)‏ أَيْ كَفَّهُ ‏(‏مِنْ الْكُوعِ‏)‏ وَكَفُّ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَامِلَتَانِ ‏(‏فَلَيْسَ لَهُ‏)‏ تَرْكُ الْكَفِّ، وَ ‏(‏الْتِقَاطُ أَصَابِعِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَمَهْمَا أَمْكَنَهُ الْمُمَاثَلَةُ لَا يَعْدِلُ عَنْهَا، بَلْ لَوْ طَلَبَ قَطْعَ أُنْمُلَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ كَفُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَاقِصَةً أُصْبُعًا مَثَلًا لَمْ تُقْطَعْ السَّلِيمَةُ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ عَقِبَ هَذَا، وَالْكُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْكَاعُ، وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ يَلِي الْإِبْهَامَ، وَمَا يَلِي الْخِنْصَرَ كُرْسُوعٌ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عِنْدَ أَصْلِ الْإِبْهَامِ مِنْ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ‏:‏ لَا يَعْرِفُ ` كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ‏:‏ أَيْ لَا يَدْرِي مِنْ غَبَاوَتِهِ مَا اسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ إبْهَامِ يَدِهِ مِنْ الَّذِي عِنْدَ إبْهَامِ رِجْلِهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْبَاعُ فَهُوَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ يَدَيْ الْإِنْسَانِ إذَا مَدَّهُمَا يَمِينًا وَشِمَالًا ‏(‏فَإِنْ فَعَلَهُ‏)‏ أَيْ قَطْعَ الْأَصَابِعِ ‏(‏عُزِّرَ‏)‏ وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَا أَطْلُبُ لِلْبَاقِي قِصَاصًا وَلَا أَرْشًا لِعُدُولِهِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ ‏(‏وَلَا غُرْمَ‏)‏ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِ الْبَعْضِ غُرْمٌ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّهُ كَمَا أَنَّ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ لَوْ قَطَعَ يَدَ الْجَانِي لَهُ أَنْ يَعُودَ وَيُحِزَّ رَقَبَتَهُ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ قَالُوا‏:‏ إنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ مِنْ نِصْفِ سَاعِدِهِ فَلَقَطَ أَصَابِعَهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ قَطْعِ كَفِّهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبُ أَنَّهُ ثَمَّ بِالتَّمْكِينِ لَا يَصِلُ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ أَلَمٍ آخَرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَرَكَ قَطْعَ الْكَفِّ وَطَلَبَ حُكُومَتَهَا لَمْ يُجَبْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكُومَةَ الْكَفِّ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ، وَقَدْ اسْتَوْفَى الْأَصَابِعَ الْمُقَابَلَةَ بِالدِّيَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ يَدَيْ الْجَانِي ثُمَّ عَفَا عَنْ حَزِّ الرَّقَبَةِ وَطَلَبَ الدِّيَةَ لَمْ يُجَبْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهَا، وَقَدْ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ كَامِلُ الْأَصَابِعِ يَدًا نَاقِصَةً أُصْبُعًا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ‏:‏ فَإِنْ شَاءَ الْمَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ لَقَطَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إنْ لَقَطَ، لَا إنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحُكُومَةَ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَدَخَلَتْ فِيهَا دُونَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ هُنَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَرَضِيَ عَنْهَا بِكَفٍّ أَوْ أُصْبُعٍ لَمْ يَجُزْ لِعُدُولِهِ عَنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَطَعَهَا مِنْ الْكُوعِ عُزِّرَ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ وَهُدِرَ الْبَاقِي فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ وَلَا طَلَبُ حُكُومَتِهِ لِأَنَّهُ بِقَطْعِهِ مِنْ الْكُوعِ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ وَقَنَعَ بِبَعْضِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ عِنْدِي لَهُ حُكُومَةُ السَّاعِدِ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْبَاقِي بِأَنَّ الْقَاطِعَ مِنْ الْكُوعِ مُسْتَوْفٍ لِمُسَمَّى الْيَدِ بِخِلَافِ مُلْتَقِطِ الْأَصَابِعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ، وَلَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي، فَلَوْ طَلَبَ الْكُوعَ مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ‏)‏ أَيْ الْمَكْسُورَ ‏(‏قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَفْصِلٍ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَالْعَضُدُ مِنْ مَفْصِلِ الْمِرْفَقِ إلَى الْكَتِفِ ‏(‏وَلَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي‏)‏ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ‏:‏ وَلَهُ قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَحُكُومَةُ الْبَاقِي فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهَا‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهَا لِأَجْلِ التَّفْرِيعِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ ‏(‏فَلَوْ طَلَبَ الْكُوعَ‏)‏ لِلْقَطْعِ ‏(‏مُكِّنَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقَطْعِ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ بِالْعُدُولِ تَارِكٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَهُ حُكُومَةُ السَّاعِدِ مَعَ حُكُومَةِ الْمَقْطُوعِ مِنْ الْعَضُدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا عَنْهُ‏.‏ وَالثَّانِي وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَا؛ لِعُدُولِهِ عَمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحٍ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَالْأَرْجَحُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَتَبِعَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَعَلَى مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ‏:‏ لَوْ قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ ثُمَّ أَرَادَ الْقَطْعَ مِنْ الْمِرْفَقِ لَمْ يُمَكَّنْ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْتِقَاطِ الْأَصَابِعِ، فَإِنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ ا هـ‏.‏

وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ يَعُودُ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَهَهُنَا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا قَطْعَ مَا دُونَهُ لِلضَّرُورَةِ‏.‏ فَإِذَا قَطَعَ مَرَّةً لَمْ يُكَرِّرْهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهُ أَوْضَحَهُ فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ وَإِلَّا أَذْهَبَهُ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ كَتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَوْضَحَهُ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَذَهَبَ ضَوْءُهُ‏)‏ مِنْ عَيْنَيْهِ مَعًا ‏(‏أَوْضَحَهُ‏)‏ طَلَبًا لِلْمُمَاثَلَةِ ‏(‏فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ‏)‏ مِنْ عَيْنَيْ الْجَانِي فَذَاكَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَذْهَبْ بِذَلِكَ ‏(‏أَذْهَبَهُ‏)‏ إنْ أَمْكَنَ ذَهَابُهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ‏(‏بِأَخَفِّ‏)‏ أَمْرٍ ‏(‏مُمْكِنٍ‏)‏ فِي إذْهَابِهِ كَطَرْحِ كَافُورٍ، وَ ‏(‏كَتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ‏)‏ كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَهُ بِهَاشِمَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إذْهَابُ الضَّوْءِ أَصْلًا أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِإِذْهَابِ الْحَدَقَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ، وَلَوْ نَقَصَ الضَّوْءُ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ إجْمَاعًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ لَطَمَهُ لَطْمَةً تُذْهِبُ ضَوْءَهُ غَالِبًا فَذَهَبَ لَطَمَهُ مِثْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أُذْهِبَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ لَطَمَهُ‏)‏ أَيْ ضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ ‏(‏لَطْمَةً تُذْهِبُ ضَوْءَهُ‏)‏ بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا مِنْ عَيْنَيْهِ ‏(‏غَالِبًا فَذَهَبَ‏)‏ ضَوْءُهُ ‏(‏لَطَمَهُ مِثْلَهَا‏)‏ طَالِبًا لِلْمُمَاثَلَةِ لِيَذْهَبَ بِهَا ضَوْءُهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ‏)‏ بِاللَّطْمَةِ ‏(‏أُذْهِبَ‏)‏ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا أُخِذَتْ الدِّيَةُ، وَفِي وَجْهٍ رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ‏:‏ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَا يُقْتَصُّ فِي اللَّطْمَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَلِهَذَا لَوْ انْفَرَدَتْ عَنْ إذْهَابِ الضَّوْءِ لَمْ يَجِبْ فِيهَا قِصَاصٌ، أَمَّا لَوْ ذَهَبَ الضَّوْءُ مِنْ إحْدَى عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُلْطَمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْهُمَا بَلْ يَذْهَبُ بِالْمُعَالَجَةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ، وَاحْتُرِزَ بِغَالِبًا عَمَّا إذَا لَمْ تُذْهِبْ اللَّطْمَةُ غَالِبًا الضَّوْءَ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَالسَّمْعُ كَالْبَصَرِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالسَّمْعُ‏)‏ أَيْ إذْهَابُهُ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْأُذُنِ ‏(‏كَالْبَصَرِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ‏)‏ لِأَنَّ لَهُ مَحَلًّا مَضْبُوطًا وَقِيلَ‏:‏ لَا قَوَدَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ ا هـ‏.‏

وَمَعَ هَذَا الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ‏.‏

المتن‏:‏

وَكَذَا الْبَطْشُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَكَذَا الْبَطْشُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ‏)‏ أَيْ إذْهَابُهَا بِجِنَايَةٍ عَلَى يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَمٍ أَوْ رَأْسٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهَا بِالسِّرَايَةِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ لَهَا مَحَالَّ مَضْبُوطَةً وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طُرُقٌ فِي إبْطَالِهَا وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحَوَاسِّ أَرْبَعَةً‏.‏ وَسَكَتَ عَنْ اللَّمْسِ وَالْكَلَامِ وَالْعَقْلِ‏.‏ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إنْ زَالَ بِزَوَالِ الْبَطْشِ فَقَدْ ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَزُلْ لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُ اللَّمْسِ، وَإِنْ فُرِضَ تَخْدِيرٌ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ الْإِمَامُ‏:‏ لَا يَبْعُدُ إلْحَاقُهُ بِالْبَصَرِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ فَقِيلَ‏:‏ فِي الْقَلْبِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ فِي الرَّأْسِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَتَأَكَّلَ غَيْرُهَا فَلَا قِصَاصَ فِي الْمُتَأَكِّلِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَجْسَامِ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَى هَذَا ‏(‏لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا‏)‏ أَوْ أُنْمُلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ‏(‏فَتَأَكَّلَ‏)‏ أَوْ شُلَّ ‏(‏غَيْرُهَا‏)‏ كَأُصْبُعٍ أَوْ كَفٍّ أَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ ‏(‏فَلَا قِصَاصَ فِي الْمُتَأَكِّلِ‏)‏ وَالذَّاهِبِ بِالسِّرَايَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْعَمْدِيَّةِ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ أَوْ الْحُكُومَةُ فِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ سِرَايَةُ جِنَايَةِ عَمْدٍ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا خَطَأً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَيُطَالَبُ بِدِيَةِ الْمُتَأَكِّلِ عَقِبَ قَطْعِ أُصْبُعِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ إلَى الْكَفِّ لَمْ يَسْقُطْ بَاقِي الدِّيَةِ، فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِ السِّرَايَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ، فَاقْتُصَّ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يُطَالَبْ فِي الْحَالِ، فَلَعَلَّ جِرَاحَةَ الْقِصَاصِ تَسْرِي فَيَحْصُلُ التَّقَاصُّ، وَيُفَارِقُ هَذَا إذْهَابُ الْبَصَرِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَعَانِي، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَجْسَامِ فَيَقْصِدُ بِمَحَلِّ الْبَصَرِ مَثَلًا نَفْسَهُ وَلَا يَقْصِدُ بِالْأُصْبُعِ غَيْرَهَا مَثَلًا‏.‏ فَلَوْ اقْتَصَّ فِي أُصْبُعٍ مِنْ خَمْسَةٍ فَسَرَى لِغَيْرِهَا لَمْ تَقَعْ السِّرَايَةُ قِصَاصًا بَلْ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِلْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، وَلَا حُكُومَةَ لِمَنَابِتِ الْأَصَابِعِ بَلْ تَدْخُلُ فِي دِيَتِهَا، وَلَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَتَوَرَّمَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَخَالَفَ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْيَدِ مَقْصُودَةٌ فَتَأْخِيرُ السُّقُوطِ لَا يَمْنَعُ الْقَوَدَ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ اقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَفِي كَوْنِهِ مُسْتَوْفِيًا خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَوْفٍ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنْ جَرَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى عَكْسِهِ، وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِ مُوَرِّثِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ أَتْلَفَ وَدِيعَتَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَوْ تَلِفَتْ بَرِئَ الْوَدِيعُ، وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي لَمْ يَبْرَأْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا فَإِنَّ الدِّيَةَ تَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْجَانِي، وَيَلْزَمُهُ دِيَةُ عَمْدٍ بِقَتْلِهِ الْجَانِي لِأَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ، فَإِنْ اقْتَصَّ بِإِذْنِ الْجَانِي أَوْ تَمْكِينِهِ بِأَنْ أَخْرَجَ إلَيْهِ طَرَفَهُ فَقَطَعَهُ فَهَدَرٌ، وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ فِيمَا ذُكِرَ‏.‏